السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… سؤالي كيف لي أن أتخلص من (الهوى) في نشر العلم (الديني) فأنا أشعر أني أنشر ما يعجبني فما حكم ذلك؟ كيف لي أنا أقرأ بموضوعية بحيث لا أدخل هوى نفسي فيما أقرأه؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
علينا التفريق هنا في مسألة الهوى وعدم الموضوعية بين أمريين:
- الأول: إن كان عدم النشر يعود إلى عدم الاقتناع بالشيء المنشور لعدم التيقن من الأدلة أو كانت الأدلة المقدمة على المسألة ضعيفة ولا ترقى إلى مرتبة اليقين لدى الشخص، فإن عدم نشرها هو الأفضل بل الأصح لأن الناشر مسؤول عما ينشره، ولأن الأصل في المسلم التيقن من المعلومة قبل التحدث بها أو نشرها. وفي ذم من ينشرون ما يسمعون دون التأكد من صحته يقول الله تعالى:
﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ النساء (83)
الآية تفيد بأن السبيل الأمثل للتأكد من المعلومة هو ردها لكتاب الله تعالى ليتبين مطابقتها لما جاء فيه أو مخالفتها له، فإن كان الشخص لا يستطيع أن يستنبط الأحكام من كتاب الله تعالى فعليه أن يسأل العلماء الراسخين في علم القرآن.
أما من ينشر معلومات غير متيقن من صحتها فعليه أن يتذكر قوله تعالى:
﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ق (18)
أما إن كان متيقنًا من صدق ما يقرأ فإنه يمكنه النشر والتبليغ بقدر استطاعته وله الأجر الجزيل. قَالَ الله تعالى:
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةًۖ قُلِ اللَّهُۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ الأنعام (19)
- أما إن كان الامتناع عن النشر ناتج عن الرغبة في إخفاء مسائل معينة لا يريد الشخص للآخرين العلم بها لمصلحة شخصية، ففي هذه الحالة ينطبق عليه جزاء كتمان آيات الله البينات:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ البقرة (159).
وإن كان الدافع إلى الكتمان ارتكاب الشخص أفعالا يعلم أنها حرام ولا يريد من الآخرين أن يروا التناقض بين أفعاله وأقواله أو أن يوجهوا إليه النقد فإنه ينطبق عليه قوله تعالى:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ القصص (50)
وعليه أن يحذر من عاقبة ذلك، لأن الله تعالى يتوعد أمثاله بقوله:
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ الجاثية (23).
واخيرًا: فإن الشخص المؤمن بربه وبكتابه لا ينبغي عليه أن يعجب ببعض أوامر الله ولا يعجب ببعضها قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ البقرة (85).
والإنسان المسلم هو الذي يقبل حكم الله تعالى في كتابه ويسلم له ويعمل على نشره وتبليغه، وهكذا يكون قد خلص نفسه من الهوى ابتغاء مرضاة الله وحده واستحق وعده التالي:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾ النازعات (40: 41).