السؤال: هل من حق المسلم أن ينعت شخصا غير مسلم بالكافر؟ أليس من الحكمة أن نمتنع عن مثل هذه الألقاب؟ فالبعض يراها عنصرية وأصبحت نقطة سلبية لدى المسلمين لأن الكثير منا يكفِّر من يشاء بهواه.
الجواب: الكفر لغة: هو الستر والتغطية، واصطلاحا: التعامي عن قبول دين الله تعالى، ولأن الكافر يغطي حقيقة الإيمان التي في قلبه سمي كافرا، فالكفر لا يكون إلا بعد معرفة الحق وستره بقصد تجاوزه.
لا يُطلق القرآن الكريم لفظ الكافر على غير المسلمين بالجملة، ولكن على من انطبق عليهم صفة الاستكبار والعناد ومعاداة المسلمين، ويمكن أن نرصد من وصفهم الله تعالى بالكافرين بالنقاط التالية:
1_ من أنكر آيات الله تعالى بعدما قامت عليه الحجج ولم يبق لديه شكوك بصحة ما يُدعى إليه، قال الله تعالى عن فرعون وملائه:
﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 13-14]
الآية تربط بين جحودهم وظلمهم وإفسادهم.
و يقول الله تعالى عمن يتولى عن قبول الحق بعدما يظهر له جليا:
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ. يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [النحل: 82-83]
﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ [العنكبوت: 47]
2_ يطلق على من يصدون المؤمنين عن دينهم عبر التلاعب بالنصوص والتفريق بين الله تعالى ورسله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا. أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: 150-151]
3_ يطلق على من يأبى الامتثال لأمر الله تعالى ويستكبر، كما كان حال إبليس:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]
فكل من ردَّ أمر واحدا من أوامر الله تعالى استكبارا وعنادا فإنه يعد كافرا، ومن الملاحظ أن إبليس لم يعص الله تعالى إلا بالسجود لآدم، ولأنه أصر على عصيانه تحول من ملك مقرب إلى شيطان رجيم.
4_ يطلق على من يحارب المسلمين في دينهم:
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 2]
ومعلوم أن حرب مشركي قريش على النبي والمؤمنين معه كانت حربا على الدين، لذلك وصفهم الله تعالى بالكافرين.
أما إن كانت الحرب على المسلمين ليست بسبب دينهم كأن تكون حربا حدودية أو على المصالح فلا يطلق على العدو حينئذ وصف الكافر.
لقد فرق الله تعالى بين غير المسلمين من حيث قربهم وبعدهم عن المسلمين بقوله تعالى:
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: 82]
ثم قال في آية أخرى:
﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 113]
نفهم من كل هذا أن غير المسلمين الذين لا تنطبق عليهم الأوصاف أعلاه لا يصح وصفهم بالكافرين، وإنما هم أهل الفطرة الذين ينبغي أن نوصل إليهم رسالة الله تعالى ونبلغهم إياها بالطرق المشروعة، وبإظهار القدوة الحسنة لهم.
والأصل أن يتم التعامل مع غير المسلمين بالحسنى إن لم يظهر منهم عداوة أو صد عن دين الله تعالى، وليس من الحسنى وصفهم بالكافرين، بل ندعوهم إلى كلمة سواء، وهي عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة غيره، وهذا العرض لا يرفضه الأسوياء من الناس، لأن وحدانية الله تعالى مما تدعو إليه الفطرة وتقوم عليه الأدلة.
وإن كان وصف غير المسلم بالكافر لا يجوز إلا إذا ظهر منه عداوة أو جحود، فإن وصف أتباع المذاهب الأخرى من المسلمين بالكفر هو إثم عظيم وافتراء لا يقبله الله تعالى. لكن المسلمين مأمورون بالتواصي بالحق وليس بتكفير بعضهم بعضا، ومن التواصي بالحق بيان الأخطاء التي يقع بها الناس وتقبل النقد من الآخرين إن كان له ما يبرره، وعدم التعنت في الرأي إذا كان يحتمل الصواب والخطأ.
والمسلمون جميعا بينهم كتاب الله تعالى يرجعون إليه عند اختلافهم، ففيه الكلمة الفصل إن صلحت نواياهم وأنزلوا كتاب ربهم المنزل الذي يستحقه:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]
والرد إلى الله ورسوله لا يتأتى إلا عبر الاحتكام إلى القرآن، فهذا الكتاب فيه النور والهدى والكلمة السواء الذي لا تجتمع عليه الأمة إلا هديت لخير أمرها وما تفرقت عنه إلا ذاقت مرا وهوانا. يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9]