السؤال: “إن كانت هناك دولة لليتامى ستكون أكبر تاسع دولة في العالم”. لقد سمعت هذه العبارة في أحد الأفلام، ولكن سؤالي ما هو الفرق بين تبني الطفل أو كفالته، وهل تبني الطفل حرام لأنني سأعطيه اسمي ، هل عليَّ أن أتبنى طفلاً رضيعاً حتى أرضعه ليصبح من محارمي وعندما يكبر لا يجب أن أتحجب أمامه إن كان ذكرا؟ ولا يجب أن يخرج من بيتي لأنه أصبح من محارمي؟ سمعت أن بعض الناس يتركون الأطفال المتبنيين عندما يصبحون مراهقين! أليس هذا الشيء مؤلم لأن ذلك المراهق سيشعر أنه تمت خيانته وتركوه لأنه أصبح أجنبيا عنهم، فليس هناك فقط أطفال يتامى بل أيضاً مراهقون يتامى ينتظرون أن يتم تبنيهم. وما فائدة أن يتم كفالة يتيم رغم أنه يحرم إعطاءه اسم العائلة؟ وإن لم أعطه اسم العائلة فكيف سيشعر بأنه يعيش في عائلة وينتمي لها؟ كيف يجب علينا كمسلمين التعامل مع هذه المسألة؟
الجواب: كان التبني في الجاهلية منتشرا. وكان المتبنِّي يعتبر المتبنَّى كولد نفسه تماما. وكان المتبنى يرث أباه إذا مات. فجاء الإسلام وألغى التبني. قال الله تعالى:
﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ؛ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (سورة الأحزاب، 33 / 4-5).
يفهم من الآية أن التبني (اتخاذ ولد الغير ولدا) لا يجوز، لأن فيه تغييرا للنسب، وقد أمر الله تعالى أن يُدعى الولد لأبيه وليس لغيره.
ولكن كفالة الأيتام وتربيتهم شيء آخر وهو من الأعمال الحسنة التي يسارع إليها المسلم. وقد تكون كفالة اليتيم مادية فقط كأن يتكفل شخص برعاية أطفال أيتام دون أن يعيشوا معه في بيته كأن يكونوا في بيتهم مع أمهم أو في بيت وليهم، وربما يكفلهم كفالة تامة فيأويهم في بيته، وهذه الحالة تغلب في حالة الأطفال مجهولي النسب الذين لا يكون لهم ولي من نسبهم، فتكون الولاية للكفيل ويكفي بها من رابطة عظيمة تستدعي بقاء العلاقة المتينة بين الكفيل والمكفول:
﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ [الأحزاب: 5]
ولا شك أن القيام برعاية الأيتام من الأعمال الصالحة التي ترفع درجات الكفيل، لأنه يكون سببا في إحياء هذه النفوس التي مات معيلها أو تخلى عنهم. يقول الله تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]
وقد روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى”[1].
وفي حالة كفالة الأيتام لا بد من الانتباه إلى بعض القضايا الهامة :
- أن يعرف اليتيم أن الذي قام بتربيته ليس أباه كما أن زوجة المربي ليست أما له.
- أن يعرف اليتيم أنه لا يرث من قام بكفالته وتربيته إذا مات. إلا أن يهب له قبل موته.
- أن لا يُنسى كون المربي أجنبيا بالنسبة له. وعلى هذا تجري الأحكام فيما يخص عائلة المربي من الخلوة والزواج وغير ذلك. فإن كانت زوجة المربي قد أرضعت اليتيم الذي قامت بتربيته فهي أمه بالرضاعة وأولادها إخوته بالرضاعة فيحرم عليه الزواج من أخواته من الرضاعة..
- إن لم تنشأ محرمية بسبب الرضاع فيمكن للولد المكفول أن يتزوج من ابنة الكفيل دون حرج لأنها أجنبية عنه.
إن عدم وجود المحرمية بسبب الرضاع لا يعني ضرورة أن يغادر اليتيم بيت كفيله عندما يكبر، بل يبقى في البيت مع مراعاة كونه أجنبيا عن مربيته. وإن كانت مربيته قد كبرت في السن وأصبحت من القواعد فلا يجب عليها أن تحافظ على اللباس الشرعي الكامل أمامه. يقول الله تعالى:
﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 60]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيما، رقم الحديث: 6005.