السؤال:
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “( إِنَّ الْفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنِ الْفُسَّاقُ؟ قَالَ: ( النِّسَاءُ ) قَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَسْنَ أُمَّهَاتِنَا، وَأَخَوَاتِنَا، وَأَزْوَاجَنَا؟ قَالَ: ( بَلَى، وَلَكِنَّهُنّ إِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ، وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ)”.
أريد أن أسأل عن مدى صحة هذا الحديث، وهل ما ورد فيه توافق مع القرآن الكريم؟
الجواب:
هذه الرواية وردت في مسند الإمام أحمد (15531) ومستدرك الحاكم (2773) وفي “الشعب” للبيهقي (9346) وقد صحح الألباني هذه الرواية في “الصحيحة” (3058)
ولا يعني صحة السند كون الرواية صحيحة، ذلك أن الحكم بصحة السند له معايير وضعها علماء الحديث بعيدا عن المعايير التي وضعها الله تعالى في كتابه لقبول الأخبار.
يقول علماء الحديث أن الرواية إذا نقلها الحافظ الثقة عن مثله دون انقطاع فإن الرواية صحيحة، علما أنه لا يستطيع توثيق الناس بدينهم سوى الله تعالى. لقد كان نبينا الكريم تعجبه أقوال المنافقين وتصرفاتهم وهو يعيش بين ظهرانيهم، ولولا أن الله تعالى أخبره بصفاتهم لما عرفهم، وهذا ينقض الأساس الأول الذي قام عليه قبول الرواية عند علماء الحديث.
والأصل أن يُرد كل خبر عن نبينا إلى كتاب الله تعالى ليُعلم موافقته له ولمقاصده أو مخالفته لهما، لأن القرآن هو الميزان الذي تنضبط به الأخبار، لا سيما أن نبينا عاش حياته كلها مبلغا للقرآن ومطبقا له وحاكما به [المائدة 67، المائدة 49]، فلا بد أن يكون المنقول عنه يعكس جوهر القرآن لا أن يكون مخالفا له.
ولو عرضنا هذه الرواية على كتاب الله سنجد أنها تخالفه جملة وتفصيلا، لأن القرآن لا يفرق بين الناس بناء على جنسهم، ولم يشر أن الفسق صفة غالبة في النساء، ولم يذكر أنهن يكفرن العشير أو أنهن لا يصبرن على المصائب، بل إن القرآن الكريم يخاطب الجنسين بأوامر الله تعالى على السواء، ويعد من يمتثل لأوامره تعالى بالسعادة في الدارين، ومن يتنكب لأوامره فسيشقى في الدارين وهكذا. قال الله تعالى:
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124]
وقد وعد سبحانه أنه لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى بقوله:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران: 195]
إن الخطاب للمذكر يشمل النساء وليس العكس، وبالرغم من ذلك فإن الآية التالية لم تكتف بتوصيف من أعد الله لهم أجرا عظيما بصيغة المذكر فقط بل عطفت بصيغة المؤنث أيضا لتنفي أي شبهة في الموضوع:
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]
ونحو ذلك من الآيات كثير.
بناء على ذلك يمكننا القول أن هذه الرواية ومثيلاتها مما يحطُّ من قدر النساء هي مما كُذب على رسولنا الكريم ونسب إليه تشويها له ولسيرته العطرة.
إن إيراد علماء الحديث لهذه الرواية في كتبهم لا يعني أنهم من كذبوها، بل إنها قد وصلتهم مكذوبة عبر الأسانيد، وإنما يُعتب عليهم عدم التحقق منها بعرضها على كتاب الله تعالى قبل تثبيتها في كتبهم، ولا نملك الآن سوى أن ندعو لهم بالمغفرة، ولا نقول فيهم إلا ما علمنا ربنا:
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: 16]
*وللمزيد حول حجية الرواية ننصح بقراءة مقالة د. جمال نجم (متى تكون الرواية عن النبي حجة ملزمة) على هذا الرابط https://www.hablullah.com/?p=5191