السؤال: السلام عليكم.. فهمت من موقعكم الكريم أن مصير الأسيرات هو إما المن وإما الفداء كما ذكر الله تعالى. لكن كيف نوفق بين ذلك وبين قوله تعالى للنبي {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} (الأحزاب: 50) فهل يحق إبقاء الأسيرة في الأسر إذا لم يفتدها أهلها ولم يُمنّ عليها بالتحرير؟ أي هل عدم المنّ هو خيارٌ وارد؟ أرحو إجابتي كي أتمكن من فهم هذا الإشكال. وجزاكم الله خيرا عن المسلمين.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله
الآية التي ذكرتها في سؤالك لا تتحدث عن الأسيرات وإنما عن الفيء، والفيء ما عاد على المسلمين من غير الحرب كالهدية والهبة من الدول والكيانات الأخرى، ومثاله مارية القبطية التي بعثها المقوقس ملك مصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث أصبحت من أمهات المؤمنين، وهي أم ابنه إبراهيم.
وفي الآية التي ذكرتها السائلة الكريمة حكم خاص بالنبي دون غيره من الناس بدلالة قوله تعالى {إنا أحللنا لك}. وآخر الآية يبين هذا الاختصاص بوضوح حيث ذكر سبحانه: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الأحزاب: 50)
أي أن حكم الزواج من امرأة الفيء هو حكم خاص لك يا محمد، أما بقية المؤمنين فقد بيَّن الله تعالى ما هو مفروض عليهم في مسألة النكاح.
إذن تحليل النكاح من الفيء وكذلك الجمع بين الحرة وملك اليمين أو الفيء في وقت واحد هو حكم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لغيره.
أما قضية الأسرى فحكم الله تعالى فيهم بيِّن وهو المنُّ عليهم أو الفداء، وإن أصر الآسر على الفداء ولم يستطع الأسير فكاك نفسه فيمكن للأسير أن يستفيد من صندوق الصدقات لفكاك نفسه، لأن الرقاب (كل من فقد حريته) هم أحد مصارف الزكاة الثمانية:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]
وهناك باب آخر للفكاك من الأسر وهو المكاتبة، وهي أن يبرم الآسر مع الأسير عقداً ويتفق معه على أنه يدفع كل شهر أو كل سنة كذا من النقود، وإذا دفع آخر قسط فإنه يكون حرا بذلك. قال الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: 33]
أما الزواج من الأسيرة فيصح، لكن بشروط بينها الله في كتابه وهي:
1_ أن يخشى على نفسه الوقوع في الزنا ولا يكون قادرا على نكاح الحرة
2_ أن لا يجمع بينها وبين الحرة
3_ أن يكتفي بواحدة منهن ولا يزيد، لأن العنت يتبدد بواحدة
4_ أن يعقد عليها عقدا شرعيا تاما برضاها وبإشراف وليها
5_ أن يعطيها المهر
والآية التالية تلخص كل ذلك:
﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النساء: 25]