السؤال: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أولا: هل يوجد فضل لإنجاب الذكور و ما هي صور تكريم الإسلام للرجل؟ هناك أحاديث تدل على فضل إنجاب الإناث، وأنهن يكن سترا من النار، وسببا لدخول الجنة, بينما لا توجد أحاديث تدل على فضل إنجاب الذكور، أليس هذا ظلما للذكور ؟ في الماضي كان هذا بسبب أن الناس كانوا يفضلون الذكر على الأنثى فكانت هذه الأحاديث تحببهم في الإناث، لكن الآن الإناث لسن مظلومات كما في السابق.
ثانيا : ما هي صور تكريم الإسلام للرجل ( غير القوامة ) لأنها تكليف لذا هذا ليس إكراما ؟
ثالثا : من المعروف أن الذكر كُتب عليه الشقاء في الدنيا، وذلك ليس للأنثى، ومع ذلك فالإناث مكرمات جدا في الاسلام، أليس المفترض أن يحصل الذكور على نعيم أكبر في الآخرة بسبب كل المهام التي تم تكليفهم بها في الدنيا؟ و شكرا.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
في البداية علينا أن نعلم جيدًا أن الله سبحانه وتعالى لم يفرق بين الناس على أساس الجنس (ذكر أو أنثى) ولا اللون أو اللسان أو اللغة أو النسب أو غير ذلك مما لا دخل للإنسان في اختياره، لسبب بديهي ألا وهو أن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان على هذه الهيئة وهو الذي اختار له جنسه ونسبه ولونه ولسانه فلا دخل للإنسان في شيء من ذلك قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ (الانفطار 6- 8)
ولو كان هناك تفضيل من رب العالمين لجنس بعينه فلماذا خلق الجنس الآخر؟!
هل خلقه ليظلمه أو يشقيه أو يعذبه!! حاشاه تعالى من الظلم وهو القائل:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (يونس 44).
فالناس يظلمون أنفسهم عندما يظنون في الله غير الحق بأنه ميز أحدهم على الآخر لسبب لا دخل لهم به ونسوا أنه سبحانه خالق الجنسين ليكمل بعضها بعضا:
﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ﴾ (الليل 3)
وقد جعل الله تعالى المقياس الوحيد للتفاضل بين الناس هو التقوى والعمل الصالح، لأنه مقدور لكل الناس. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13).
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل 97).
ولتمام العدل لم يكلف الله تعالى الإنسان بما هو فوق طاقته فقال جل شأنه:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة، 286)
ورفْعُ التكليف عمن ليس في وسعه تنفيذ الأمر ورد في مواضع أخرى من القرآن الكريم[1].
ومن هنا فإن تلك الروايات التي تفضل جنسا على آخر كتفضيل ميلاد الأنثى على الذكر وتجعل أباها في الجنة فليس لها أساس من الصحة؛ ذلك لأنها بالإضافة إلى تناقضها مع كتاب الله تعالى الذي لم يفرق بين خلقه فهي في الوقت ذاته تناقض بعضها البعض حينما ادعت بعض الروايات تفضيل الرجل على المرأة عندما ورد فيها سجود المرأة لزوجها أو نقصان عقلها ودينها وادعت ظلمًا وزورًا أنهن أكثر أهل النار وغير ذلك.
فتلك الروايات التي تحبب في إنجاب الإناث ربما نُسبت إلى النبي ترغيبًا في حب الإناث اللائي كن يوأدن قبل الإسلام، ولكن علينا أن نعلم أنه مهما كان الهدف من وراء روايتها نبيلًا فهو لا يعني صحة نسبتها إلى نبي كريم لا يتقوَّل على ربه بشهادته سبحانه:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ﴾ (النجم 3).
أما بالنسبة لمسألة أن الله تعالى قد كتب الشقاء على الرجال وجعل القوامة لهم دون الإناث؛ ذلك لأنه سبحانه قد أعطى للرجل ما لم يعط للمرأة من القوة البدنية وتغليب الجانب العقلي على الجانب العاطفي الذي يعينهم على الخروج للعمل وتحمل تبعاته من الكد والإنفاق. قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ﴾ (آل عمران 36)
وحين كُلف الرجل بالإنفاق فقد جعل تعالى له نصيبًا في الميراث أكثر من نصيب الأنثى، ثم أمر كلاهما بعدم تمني ما فضل به أحدهما على الآخر قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء 32)
وفي الوقت الذي كُتب الشقاء على الرجل قد جعل الله تعالى على المرأة كذلك أعباء أخرى، فبالرغم ضعف بنيانها الجسدي إلا أنها الجديرة بالحمل والإرضاع وقد أعطاها الله تعالى من الصبر على تحمل ذلك الأمر. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ (الأحقاف 15)
نلاحظ أن الخطاب للأولاد موجه بالإحسان إلى كلا الوالدين ولم يخص أمه دون أبيه رغم الوهن الذي يصيبها؛ ذلك لأن كلا منهما يتحمل جانبًا من العناء، فكما يكد الرجل خارج البيت كذلك تكد المرأة وتسهر وترضع وتنظف وترتب وتطهو وتهيئ البيت لزوجها ليرتاح من عناء العمل، وفي الوقت نفسه تجد المرأة الراحة بالاتكاء على كتفه والشعور بالدفء والأمان والسكن والمودة لكليهما.
وختامًا: فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق كلا من الذكر والأنثى وجعلهما في احتياج لبعضهما حيث يكمل أحدهما نقص الآخر، وفي الوقت نفسه لا يتميز أحدهما عند ربه إلا بقلبه وعمله:
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ (النساء 124)
وإن شعر أحدهما بالظلم فليس العيب في شرع الله تعالى ولا كتابه وإنما فيمن يخالف أمر ربه. قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ فصّلت (46).
والتكريم الوحيد لكليهما يكون بالتقوى:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات 13).
وإن أراد أحدهما منزلة أعلى فلا يكون ذلك بالتسابق للتغلب على الآخر بل في التغلب على هوى نفسه وشيطانه، وبعمل الصالحات:
﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (المطفّفين 26)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مثل قوله تعالى {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة، 233) {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (الأنعام، 152) (الأعراف، 42) {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (المؤمنون، 62)