السؤال: ما هي عقوبة الاغتصاب في الإسلام؟ فهو زنا من طرف واحد بالإجبار. هل يُطبّق عليه حكم الزنا رغم اختلاف الفعلين؟ أم يطبق عليه حكم من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا وهو القتل؟ أم يُطبق عليه القصاص؟ وكيف يتم القصاص في هذه الحالة؟.
الجواب: إن الاغتصاب لا يندرج في تعريف الزنا، لخلوه عن الرضا من طرف المرأة المُعتَدى عليها، فهو اعتداء سافر على ستر محصنة.
أما الزنا الذي حرمه الله تعالى ورتب عليه حدا فهو العلاقة الجنسية الكاملة بين رجل وامرأة بدون أن يكون بينهما عقد نكاح. لذا ذكر الله تعالى العقوبة لكليهما كما يلي:
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النّور 2)
بحسب الآية فإنه لا ينبغي أن تأخذ منفذ الحد رأفة في تنفيذه؛ لأن الزنا كبيرة من الكبائر يترتب عليها تعدي حدود الله تعالى واختلاط الأنساب وهدم الأسرة وظهور فاقدي النسب من أولاد الزنا الذين تخلت عنهم أمهاتهم بعد تخلي الزاني عن تحمل تبعات فعلته.
والآية تتحدث عن الزنا الذي يحصل بالتراضي بين رجل وامرأة، لذا جاء العقاب بصيغة المثنى: ﴿كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.. بِهِمَا .. وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا﴾.
والمتدبر للآية الكريمة يجدها بدأت بالزانية وهذا على خلاف المعهود عليه في القرآن حيث إنه يبدأ بالمذكر عادة: قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ..﴾ (الأحزاب 35) ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ (المائدة 38)
والحكمة من تقديم الزانية أمور عدة منها:
- التأكيد على اشتراط رضا المرأة في عملية الزنا.
- تقبيح الكبيرة بالنسبة للمرأة لعلمه تعالى بنظرة المجتمع الظالم لها وإلقاء اللوم عليها وعقابها وحدها حتى لو كانت هي المعتدى عليها.
وبالتالي فإن الاغتصاب لا يُعدُّ زنا، ولا تنفذ فيه العقوبة المقررة له بأي حال من الأحول. لأن الاغتصاب جريمة من الجرائم التي تقع على المرأة رغما عنها وعلى المجتمع بأسره ولها أكثر من بُعد.
- فهو يقوم على انتهاك الحرمات وكشف العورات التي أمرنا الله تعالى بسترها.
- والغاصب يروع أمن المجتمع الذي تسير فيه النساء لا يأمنَّ على أنفسهن، فالله تعالى قد فرض على مجتمع الرجال تحصين المرأة وحماتيها؛ ذلك لأن تحصين المرأة يحصن المجتمع كله. إذا تخلى المجتمع عن توفير الحماية للمرأة فإنها ستصبح عرضة للاستغلال الجنسي ويتم التعامل معها كسلعة تباع وتشترى كما هو الحال في المجتمعات البعيدة عن منهج الله تعالى.
- يترتب على الاغتصاب قتل نفس المعتدى عليها (المغتصبة) وشعورها بالخزي والعار، فكثير من النساء من تفضل الموت على أن يمسها إنسان غصبا، ومن أقوى الأدلة على ذلك ما ساقه لنا القرآن الكريم عن أطهر نساء العالمين السيدة مريم وهي العفيفة الطاهرة التي لم يمسسها بشر ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ (مريم 20)
وقد تمنت الموت قبل مواجهة أهلها بالرغم من تزكية الله تعالى لها واصطفائها على نساء العالمين: ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ (مريم 23)
لقد تمنت الموت لأنها تدرك جيدًا ما سيحكم به المجتمع عليها، وهذا ما حدث بالفعل، إذ أن أول ما تبادر إليهم رميها وقذفها مع علمهم بطهارتها وعفتها: ﴿قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ (مريم 27).
- إن المغتصب كثيرًا ما يتسبب في القضاء على مستقبل الفتاة التي اعتدى عليها؛ لأنها لربما لا تتزوج نتيجة عقدة نفسية قد تدوم حتى موتها، وإن تجاوزت تلك العقدة فربما لا يرضى أحد من الرجال الزواج منها،
- إن كانت المعتدى عليها طفلة فالجريمة أشد لأن في ذلك قتل للبراءة والطفولة وكثيرا ما ينتهي الأمر بموتها.
- وما يزيد الأمر سوءًا إن حملت المرأة من تلك الجريمة وأخرجت للمجتمع طفلًا يحمل الخزي والعار حتى قبل أن يوجد على ظهر الأرض، ونحن نرى بأعيننا كثيرًا من أطفال الشوارع المشردين وأغلبهم نتج عن حمل سفاح أو اغتصاب جعل المرأة تلقي بولدها في الطرقات مخافة أن تواجه به المجتمع بدون أب.
فكل تلك المصائب التي تقع على المغتصبة وأهلها ومجتمعها يتسبب بها المغتصب، ولعموم خطر الجريمة فإنها تندرج تحت جريمة (محاربة الله تعالى والإفساد في الأرض) ولذلك فإن المغتصب يستحق أقصى عقوبة كما حكم الله تعالى:
﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَاۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة 33)
العقوبة على التخيير هي: القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض.
وقد وضع الله تعالى هنا عدة أحكام، وترك للحاكم اختيار المناسب منها حسب بشاعة الجريمة وتكرارها وغير ذلك.
وهناك من يرى أن عقوبة المغتصب هي القصاص، ويتمثل بقطع عضو المغتصب التناسلي، ويستدل على ذلك بقوله تعالى:
﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة 194)
لكننا نخالف هذا الرأي لانعدام المماثلة بين الجريمة والعقوبة الذي هو شرط القصاص، فالمغتصب لم يتسبب بفقدان عضو المرأة التناسلي الأنثوي أو يحدث به جرحًا كي يكون القصاص بالتساوي بينهما بقطع عضو أمام عضو كالعين والأذن.
فالغاصب كما بينا لم يقتصر على جريمة واحدة وإنما تسبب في هتك الأعراض وفضح المؤمنات المحصنات وترويع الآمنين ونشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة في المجتمع كله لذا ناسب أن تقع عليه عقوبة تتعدى الحق الفردي للمغتصبة لتشمل حق الله تعالى والمجتمع.
فالضرر هنا لم يقع على المرأة وحدها فحسب حتى نقول بالقطع وإنما قد لحق الضرر بها وبأهلها وربما بولدها ومن ثم بالمجتمع كله. وهذا يناسبه تنفيذ الحكم الوارد في الآية 33 من سورة المائدة الآنف ذكرها.
والله تعالى أعلم