السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
أنا مقيم في فرنسا موطن الملاحدة والعلمانيين حيث يتم التضييق على المسلمين وحيث يتم الترويج لكل الشبهات… الحديث يطول في رصد واقع المسلمين في هذه البلاد، لذا أكتفي بطرح سؤال لم أجد له جوابا مقنعا في مطالعتي وبحثي، راجيا أن أجد عندكم ما يطمئن قلبي وما يمكِّنني من الرد على المشركين ممن ألتقي بهم في إطار عملي أو في حياتي اليومية..
والسؤال يتعلق بعالمية رسالة الإسلام : لماذا نزل القرآن بلسان عربي مبين، وكيف يمكن للأعجمي أن يهتدي للحق في ظل التمزق الذي تعرفه الأمة من سنَّة و روافض، بارك الله فيكم.
الجواب:
إن هذا السؤال يحتوي على أربعة محاور أساسية ألا وهي: عالمية رسالة الإسلام، ومدى التوافق بين العالمية وبين لغة القرآن الكريم، وكيفية التعامل مع الشبهات التي توجه للإسلام، وكذلك ما يتعرض له المسلمون من فتن.
بالنسبة لمسألة عالمية الإسلام وشموليته نجد أنه أمر لا يتعلق فقط بالقرآن الكريم ولا يقتصر على خاتم النبيين وذلك لعدة أسباب منها:
- إن القرآن الكريم لم يكن الكتاب السماوي الوحيد الذي دعا إلى الإسلام بل هو دين الله تعالى من لدن أبينا آدم عليه السلام، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (آل عمران 19) والإسلام يعني التسليم والاستسلام للخالق العظيم، وهو دين الفطرة التي فطر الله عليها جميع المخلوقات: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًاۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَاۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الرّوم 30).
ويتبين هذا الأمر في قوله تَعَالَىٰ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (فصّلت 11)
فطواعية السموات والأرض لرب العالمين هو التسليم له بأن تكون حركتها وسكونها بيد خالقها لا بيدها، وهذا معنى الإسلام بعينه.
لكن الله تعالى اختار الإنس والجن لحمل الأمانة وترك لهما القدرة على الاختيار بين الحق والباطل لتحقيق مبدأ الامتحان، لذا وجه لهما الخطاب التالي: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة 38_39)
فالذين كفروا هم الذين ستروا هذا الهدى وكذبوا على الله وأنكروا آياته الكونية ورسائله السماوية.
- والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى وأنزله على جميع الأنبياء والمرسلين، فالتوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله المنزلة لم تدْع الناس لعبادة غير الله تعالى أو أن يُشرك في عبادته أحد:
﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران 67).
وفي قصة نبيه لوط: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الذاريات 36).
وقال تعالى عن أتباع المسيح: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ (المائدة 111).
حتى فرعون عندما أيقن أنه هالك قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (يونس 90)
ومن هنا فإن الإسلام هو الرسالة التي أرسل الله تعالى بها جميع الأنبياء وطالب به جميع الأمم: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ (آل عمران 79)
- والإسلام والتسليم لرب العالمين لا يشمل فقط من عاصر الرسل والأنبياء أو من وصله كتاب سماوي، ذلك لأن الله سبحانه قد بث آياته في كل ما خلق، تلك الآيات التي تدعو إلى توحيده والاستسلام الكامل له. يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْۖ قَالُوا بَلَىٰۛ شَهِدْنَاۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف 172) فكما نرى لقد الله أشهد تعالى جميع بني آدم على أنه خالقهم وذلك ببثه سبحانه جميع الأدلة في الكون و في أنفسهم على أنه خالق كل شيء وأنه الواحد: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصّلت 53)
وقد جعل الله تعالى لكل واحد من المكلفين نفسا ملهمة تميز بين طريق الهدى وبين طريق الضلال: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (الشمس 8)
فآيات الله تعالى لا تنحصر في الكتاب المنزل المقروء، بل هناك آيات الكون المرئية التي تبين بدليل لا شبهة فيه وجود إله واحد لا شريك له: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ (الأنبياء 22)
أما بالنسبة لنزول القرآن الكريم باللغة العربية فلا يبطل شمولية الإسلام وعالميته، لأن كون الكتاب نزل بلغة معينة فإن ذلك لا يمنع من انتقال ما حواه من العلم والحكمة إلى اللغات الأخرى، وهذه مهمة مبلغي القرآن في مختلف العصور.
ولا يُشترط للإيمان بالقرآن معرفة اللغة العربية أو دراستها وذلك لأسباب كثيرة منها:
- أولًا: إن اختلاف الألسن واللغات هو آية من آيات الخالق العظيم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ (الرّوم 22)
ولو أراد رب العالمين أن يخلق الناس كلهم على نفس اللسان واللون لفعل: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةًۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود 118).
واللغة العربية هي لغة أحد الكتب السماوية وليست لغة رب العالمين، ولن يُحاسب بها جميع الخلائق يوم القيامة، ولا يفضل الله تعالى من يتحدثون بها عن بقية البشر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13)
والتعارف يتم عن طريق تعلم لغات الآخرين ونقل ثقافتهم ومعارفهم.
وإنما هناك حكمة بالغة من نزول الكتاب الخاتم بتلك اللغة، وقد بينها سبحانه في كتابه حين قَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (الزمر 28).
فاللغة العربية كما بين لنا تعالى هي لغة (غير ذي عوج) لغة صريحة الألفاظ وبها من المعاني ما تعبر بها عن مقصود كل كلمة، وهي لغة شاملة لكل ألوان البلاغة والبديع، وهي لغة يسهل ترجمتها إلى كل اللغات، ومن أراد معرفة ما في القرآن فهو ما بين خيارين:
- إما أن يقوم بدراسة العربية لينهل من معاني الكتاب العظيم مباشرة.
- وإما أن يقرأ ما تمت ترجمته من أحكام و معاني القرآن لمعرفة ما يريد معرفته.
وكلا الفريقين غير مطالب بإدراك كل معاني الكتاب، ولن يستطيع إدراكها كلها حتى الناطقين بالعربية، فكل من يسعى للعلم ينال منه بقدر سعيه ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ (النجم 39)
ومن بذل جهده فالله تعالى يهديه إلى ما فيه من الحكمة: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت 69)
فغير الناطقين بالعربية يكتفون بمعرفة تعاليم الكتاب وسبل نيل رحمة الله تعالى وما أحل وما حرم، والآيات المتعلقة بهذا الشأن صريحة العبارة واضحة الدلالة لا تحتاج لتعلم اللغة لمعرفتها.
ولنأخذ على ذلك مثالًا من الواقع بعلم الطب والهندسة فإن هذه العلوم تترجم إلى كل اللغات ولا يحتاج دارسوها معرفة اللغة الأصلية التي دونت بها، ومع ذلك فكل قوم يدرسونها بلغتهم.
فغير الدارس للغة العربية ليس مطالبًا بأن يتذوق بلاغة الآيات وبديعها، وإنما عليه إدراك الحكمة منها لإصلاح حياته وآخرته. والآيات عديدة في هذا الشأن قَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿هَٰذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (إبراهيم 52)
وقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةًۖ قُلِ اللَّهُۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰۚ قُلْ لَا أَشْهَدُۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام 19).
والقرآن الكريم ليس غريبًا عن الكتب السماوية السابقة، ولم يأت بتعاليم مخالفة لما جاء فيها، وقد ترجمت هذه الكتب للغة العربية ولم تكن لغتها الأصلية.
فالقرآن يؤيد الحق منها ويحل بعض ما حرم فيها ويوضح ما افتراه السابقون ويرد على شبهات اللاحقين قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍۚ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ (المائدة 15)
فالقرآن بمثابة النسخة النهائية والمرجع لبقية الكتب ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًاۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة 48) والمتدبر للآية الكريمة يدرك أن كل إنسان متبلى وممتحن حسب ما جاءه من الآيات وبحسب ما أدرك منها.
- ثانيًا: إن الله تعالى لم يترك الأمم غير الناطقة بالعربية لتتيه في ظلمات الشرك والضلال وذلك بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (إبراهيم 4)
وإرسال الرسل لم يقف عند زمن معين بل هو دائم إلى يوم القيامة – ذلك أن مفهوم كلمة الرسول غير النبي – فالنبوة ختمت بالنبي الخاتم ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (الأحزاب 40) فلم يقل تعالى (خاتم المرسلين) فالنبوة ختمت أما الرسالة فباقية بأمر الله تعالى إلى يوم القيامة[1].
إذ أن كلمة الرسول بمعناها الحقيقي لا تقتصر على الأنبياء أو الرسل المؤيدين بالوحي من السماء، لكن كل من قام بإيصال رسالة إلى غيره فهو رسول بدليل قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ (النّمل 35) وقوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّك﴾ (يوسف 50)
ومن هنا فإنه لا يخلو زمان أو قوم ممن يقومون بتبليغ رسالة الله تعالى (القرآن) إلى الناس كل بحسب لغة قومه، فنجد من يبلغ القرآن لكل الأقوام باللغة الخاصة بكل منهم. وهناك من غير المسلمين من يستمع لنداء الفطرة فيبحث عن الحق ويؤمن بالله تعالى كما بين سبحانه: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ (آل عمران 113).
فكل من يبلغ رسالة رب العالمين وكتابه يُعد مُبلغًا ورسولًا ونذيرًا لقومه بلغتهم يقول تعالى والخطاب موجه لبني آدم جميعًا: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِيۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (الأعراف 35)
وليس بنو آدم فقط بل والجن كذلك: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَاۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَاۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ (الأنعام 130).
وبالفعل قد حدث وما يزال يحدث إلى يومنا هذا، فهناك من يقوم بتلك المهمة في كل مكان وزمان، وكثيرًا ما يُتهم هؤلاء المبلغون (الرسل) باتهامات باطلة ولا يتبعهم إلا قليل حالهم كحال الأنبياء قديما.
فلن يعذب الله تعالى إنسانًا دون أن يريه الهدى ويقيم عليه الحجة قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (القصص 47)
فيجيب عليهم الحكم العدل: ﴿مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ، وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (الإسراء 15)
ورسل الله عديدة منها الرسول البشري و الرسول الكوني والإلهام، وذلك ليبين بها سبحانه لعباده ما يتقون قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التوبة 115)
ولكن هناك من لا تنفع معه الآيات ولو أُنزل عليه ملك من السماء: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًاۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًاۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (الأعراف 164).
وإن كانت الكتب السماوية السابقة قد طالها التحريف فإن تفسيرات القرآن الكريم كذلك قد طالها التحريف وأُلحق بكتاب الله ما ليس منه، وهذا التحريف تم في زمن الرسالة نفسها وفي حياة النبي بتحريف الكلم من بعد مواضعه كما يتبين من قوله تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة 75)
وزاد الأمر بعد وفاته عن طريق الروايات التي افتريت على لسان النبي والتي تناقض بعضها بعضًا قبل أن تتناقض مع كتاب الله، ومن هنا ظهرت المذاهب والشيع التي نهى الله تعالى رسوله أن يكون واحدًا منها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام 159)
وإذا جئنا إلى الشبهات التي توجه للإسلام والقرآن فسوف نجد أن مرد أغلبها إلى تلك التفاسير المغلوطة والروايات المفتراة التي تناقض كتاب قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (النساء 82).
فنسبت لله تعالى أوامر ونواهي لم تأت في كتابه، ونسبت إلى نبيه أقوال وأفعال تتنافى مع القرآن ومع مقام النبوة، وبعضها نتج عن تحريف الكلم عن مواضعه باجتزاء آيات من سياقها كآيات قتال المشركين التي تراق تحت ستارها الدماء متناسين قوله تعالى: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًاۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ (المائدة 32).
وفي هذه الحالة فإن من يتعرض لتلك الشبهات عليه أن يعود لكتاب الله في الرد عليها إن كان عالمًا به امتثالًا لقوله تَعَالَىٰ: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان 52) فالجهاد في الدعوة بالكتاب لهو أكبر الجهاد كما أنبأنا العليم الخبير.
على أن يكون الجدال كما أمر تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت 46)
تبين الآية الكريمة كيفية الدعوة والجدال بأفضل ما يمتلك الإنسان من أدوات الجدال سواء أكانت نظرية أو علمية، وكذلك اشترطت احترام كتبهم وعدم الإساءة إليها، وقد رأينا كثيرًا ممن دخلوا في الإسلام كان نتيجة تعاملهم مع المسلمين وما رأوه من الأمانة والصدق والاحترام.
أما في حالة عدم العلم بكيفة الرد عليهم بكتاب الله فعليه أن يلتزم الصمت ويتجنب القعود معهم إن أساؤوا إلى الله تعالى وكتبه ورسله كما علمنا سبحانه:
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ (النساء 140)
أما بالنسبة للتضيق على المسلمين في بلاد الغرب فإن استطاع الإنسان أن يترك تلك البلاد ويهاجر إلى غيرها كما أمرنا سبحانه وتعالى فليفعل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَاۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء 97)
وليعلم أنه إذا أراد بهجرته وجه ربه وإحياء دينه وحماية نفسه وأهله فإن الله تعالى قد وعده بالتوفيق والنجاة:
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةًۚ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (النساء 100).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقالة (النبي والرسول وضرورة التفريق بينهما) على هذا الرابط https://www.hablullah.com/?p=1239