السؤال:
توفي أبي سنة 2007 وتركني أنا البنت الصغرى وأصبح سني الآن 38 وأختي الأكبر 50 ولم نتزوج بسبب أنانية إخوتي للأسف الشديد، فأنا لي أربع إخوة كبار، اثنان منهم جاحدون علينا وعلى وأمي. ولنا منزل مكون من 3 طوابق كل طابق مكون من شقتين ونحن مقيمون في الطابق الأرضي، ولنا أيضا قطعة أرض زراعية 12 قيراطا، وكان أبي قد كتب لأمي عقدا بنصف المنزل، لكن إخواني الجاحدين يطلبون من أمي حقهم، فقالت لهم إن كل واحد منكم يسكن في شقة، علما أن الذي أسس هذه الشقق هو أبي _ رحمه الله_ وأمي وأخي الأكبر، وإن النصف فدان من الأرض الزراعية جعلها لجهاز البنات لأن أباهما لم يأسس لهما شيئا. لكن أحد إخوتي لم يقتنع بذلك ويعيش في المنزل بالعافية (بالقوة) وله زوجة حسبي الله ونعم الوكيل فيها وفيه، والأخ الثاني كأخيه فماذا نفعل.
الجواب:
ما فمهناه من السؤال أن الأب توفي وترك قطعة أرض 12 قيراطًا، ونصف منزل؛ لأنه قد كتب نصفه الآخر للزوجة وهو على قيد الحياة. والورثة هم الزوجة وأربعة أبناء وبنتان.
وأن من الأبناء من يتصفون بالجحود وأنهم كانوا السبب في عدم زواج البنات (أختيهم) ويطالبون بحقهم في ميراث أبيهم، وأن الأم ترفض طلبهم على اعتبار أن هناك بنات لم يتزوجن بعد، وهن أحق بالإنفاق عليهن لتجهيزهن لأن الأب توفي قبل أن يتزوجن.
في البداية يجب توضيح مسألتين غاية في الأهمية ألا وهما:
- جحود الأبناء وعلاقته بحقهم في الميراث.
- صغر سن بعض الورثة عند الوفاة أو وجود بنات في حاجة إلى تجهيزهن وهل هذا سبب كاف لزيادة حقهنّ من الميراث.
في الحقيقة لا توجد أي علاقة بين جحود الأبناء لأمهم وأخواتهم وبين مسألة الميراث حتى لو كان هؤلاء الأبناء هم السبب المباشر في عدم تزويجهن إلى أن وصلن إلى سن الأربعين والخمسين (بأن وقفوا في طريقهن أو لم يزوجوهن ممن أردن أو أحدثوا بعض المشكلات التي حالت دون زواجهن)
وقد كان عليهم الإحسان إلى أمهم وأخواتهم والعطف عليهن والرفق بهن ورعايتهن وخاصة بعد وفاة أبيهم وأن يسعوا في تيسير أمر زواج أخواتهم امتثالًا لقوله تعالى:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ﴾ (النّور 32)
إن تأخر سن الزواج قد أصبح ظاهرة في كل البلاد لأسباب كثيرة منها عرقلة أهل الفتاة زواج ابنتهم بقصد أو بغير قصد، بالإضافة إلى تعقيدات الحياة وكثرة متطلباتها التي جعلت نسبة لا بأس بها من الشباب يعزفون عن الزواج مؤقتا أو كليا، وهذا _بطبيعة الحال_ يترك أثره البالغ على نسبة النساء غير المتزوجات.
وإن كان الإخوة هم السبب في عدم زواج أخواتهم وكذلك إن كانوا عاقين لأمهم فحسابهم على الله تعالى. قَالَ الله تعالى:
﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾ (القمر 53)
ولا ينبغي معاقبة هؤلاء الأبناء على جحودهم بحرمانهم من حقهم الذي كتبه الله تعالى لهم من تركة أبيهم بحجة سوء معاملتهم لأمهم وأخواتهم، امتثالًا لقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة 8).
يُفهم من الآية أن إقامة العدل لا يشترط فيها محبة الطرف الآخر أو كونه طائعًا أو عاصيًا. فالمؤمن الحق يعمل على إقامة العدل ورد الحقوق إلى أصحابها بغض النظر عن صلاح صاحب الحق أو فساده.
وإذا جئنا لمسألة صغر سن بعض الورثة عند وفاة المورث فلا يُعد عذرًا أو مبررًا لحرمان بقية الورثة من نصيبهم أو حتى إنقاص هذا النصيب لتكملة الإنفاق على الصغير.
فالله سبحانه وتعالى يعلم أن هناك بعض الآباء يموتون ويتركون أولادهم وهم صغار حتى وهم أجنة في بطون أمهاتهن، وقد حدث هذا مع نبينا الكريم الذي وُلد يتيمًا:
﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ﴾ (الضحى 6)
ولكنه سبحانه وتعالى عندما قسم الميراث لم يجعل لهؤلاء الصغار نصيبًا زائدًا، ولم يفرق بينهم وبين إخوتهم الأكبر أو الأغنى في الأنصبة والمقادير. قَالَ اللَّهُ تعالى:
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ (النساء 11)
ذلك لأنه تعالى قد حض أولياء اليتيم أن يتكفلوه ويقوموا على رعايته والإنفاق عليه من مالهم الخاص إن كانوا أغنياء، وإن كانوا فقراء فلينفقوا عليه بالمعروف من ماله الذي ورثه قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا، وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ (النساء 6)
أما بالنسبة لمسألة تجهيز الفتيات فمن المفترض أن تقع تلك التكاليف على كاهل الرجل الذي يريد الزواج كما أمرنا الله تعالى وليس على كاهل أسرة الفتاة، ولكن مع مرور الزمان وابتعاد الناس عن تعاليم الله وكتابه أصبحت الفتيات مطالبات بجزء من تكاليف الزواج مما أثقل كاهل الأسر بالديون في كثير من المجتمعات الإسلامية.
وإن اضطرت الفتاة لتجهيز نفسها تماشيًا مع تلك العادات فلها أن تفعل ذلك من مالها الخاص الذي ورثته عن أبيها، وإن أرادت الأم أن تساهم فلها ذلك على أن يكون من مالها الخاص، ولا يحق لها تحرم بقية أبنائها من حقوقهم بحجة تجهيز البنات إلا إذا أعطى الأخ أخته من ماله على سبيل التراضي وليس بالجبر والإكراه.
ومن هنا نستخلص الآتي:
أنه يجب تقسيم تركة المتوفى المذكور (12 قيراطًا ونصف البيت) على جميع الورثة، ولا تكفيهم مجرد الإقامة في البيت لضمان الحقوق، بل من حقهم المطالبة بالتملك الصحيح الموثق. ويتم تقسيم التركة كالتالي:
- للزوجة ثمن التركة كلها لقوله سُبْحَانَهُ:
﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (النساء 12)
- ثم يقسم الباقي بين الأولاد جميعًا للذكر ضعف نصيب أخته لقوله تعالى:
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ (النساء 11)
فتقسم التركة على عشرة أسهم، لكل ابن سهمان ولكل بنت سهم واحد.
وعلى الجميع الامتثال لحكم الله تعالى في كتابه، وذلك لتحذيره عقب آيات الميراث من مخالفة أمره بقوله تعالى:
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (النساء 14).