الباحث: الأستاذ عمرو الشاعر
على الرغم من أن القائلين بركوب (تلبس) الشيطان الإنسان يقرون بأن الإنسان هو الخليفة في الأرض, إلا أنهم لا يجدون حرجاً في أن يكون لمخلوق طفيلي تابع سلطان عليه، ولا يجدون في هذا تعارضاً مع تكليفه وتشريفه!
والناظر في القرآن يجد أن لا مستند لهم في دعواهم, فالله العليم قد ذكر السلطان الذي مُنح لإبليس –وهو كبيرهم- في اعترافٍ يقدمه إبليس بنفسه في اليوم الآخر, الوارد في قوله تعالى:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم ..﴾ [إبراهيم : 22]
فهو نفسه يقول إنه لم يكن له سلطان علينا إلا أن دعانا فاستجبنا له، وأن علينا أن نلوم أنفسنا وليس هو.
ونلاحظ أن الله تعالى استخدم أسلوب الحصر القصر “ما … إلا”, فلم يقل: أنا دعوتكم فاستجبتم، وإنما قال أن سلطانه كان محصورا في دعوتنا، فهل نكذب كلام الله ونقول أن القصر لا يفيد الحصر, وأنه كان له علينا سلطان الدعوة وكذلك التحكم والإمراض!!
كما أن الله تعالى بيّن أن هذا السلطان ليس على كل البشر، وإنما على من يتبعونه فقط، فإذا أنت أطعته كان له سلطان عليك، وهذا وعد الله تعالى الوارد في قوله:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر : 42]
﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل : 99-100]
فليس له سلطان على المتوكلين على الله وإنما فقط على الذين يتولونه، فيجرهم إلى الهلاك، ويجعلهم من أعوانه وجنوده.
والله تبارك وتقدس بيّن لنا في كتابه كيف هو هذا المس الذي يمكن أن يمسه الشيطانُ الإنسان, وأنه لا يزيد عن الوساوس, وعرّفنا كيف يمكن إبطاله، وأن ذلك يكون بالاستعاذة بالله تعالى منه.
وللشيخ الشعراوي -رحمه الله- لطيفة في تناوله للآيات التي تتعلق بحقيقة المس, يقول فيها:
“ويجب أن نلاحظ أن الله عز وجل قد فرّق في الحديث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته .. فعندما خاطب رسوله عليه الصلاة والسلام قال: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم” .. ولكن عندما خاطب أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف : 201]
إذن فعندما تكلم الحق عن المؤمنين .. انتقل إلى المس، ولكن من رحمته أنه لم ينتقل إلى مرحلة اللمس (الالتحام..)
فالشيطان لا يلتحم بإنسان مؤمن .. وإنما يكون على مسافة قريبة منه .. ماذا يحدث في هذه الحالة؟ .. يتذكر المؤمنون قدرة الله عز وجل على الشيطان .. ويتذكرون أن منهج الله يحميهم من الشيطان. ” انتهى كلام الشعراوي.
كما أن الرب العليم يقول:
﴿و َلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء : 141]
فإذا كان الجن –الكافر طبعا- يركب الإنسان ويسيطر على عقله، فقد سيطر عليه وأسقط عنه التكليف، والله ينفي أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا، فهل هناك سبيلٌ أقوى من هذا؟
فكيف ندعي بعد هذا كله أنه –أو أياً من أتباعه- يستطيعون أن يدخلوا في جسد الإنسان ويتحكموا فيه؟!
إن هذا القول مخالفٌ للقرآن أشد المخالفة، لذلك فلا يمكن القبول به بحال!
الناظر في الكتاب العزيز يجد الرب العليم الخبير يقول:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً﴾ [الإسراء: 82]
ويقول أيضا:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ لِّلْمُؤْمِنِينَ [ يونس: 57 ]
ويقول: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [ الأعراف: 154]
فالله تعالى يقول إن كتبه كلها هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور، والذي لا يتبعها يكون من الخاسرين, فكيف يؤذي القرآنُ الجن؟
إن المشعوذين والدجالين يدعون أنهم يخرجون الجن من جسد الإنسان بالقرآن، لأنهم يخافون من أن يحرقهم القرآن إذا قرأه الدجال عليهم! فإذا كان القرآن يؤذيهم لدرجة أنه قد يحرقهم أو حتى يسبب لهم الآلام الشديدة!!, فكيف نطالبهم بالإيمان به وبالاستماع إليه حتى يدخلوا في الإسلام؟!
وكيف استمع الجن إلى القرآن أيام الرسول و لم يحترقوا؟!
يقول الله تعالى:
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1-2]
ويقول أيضا:
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 29-32]
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة المقالة كاملة من الرابط التالي