السؤال:
شيخي الفاضل، والدي متزوج من اثنتين، زوجة والدي الأولى أنجب منها أخواتي البنات الأربعة الكبار وقد قام بتعليمهن وتزويجهن والحمد لله. و لي أخ أكبر مني من زوجة أبي، وقد تزوج أيضا، وبعد زمن تزوج أبي من أمي حيث أنجبني منها وكذلك أخي وأختي وهما أصغر مني، وهكذا صرنا ٨ من الإخوة؛ ٥ بنات و٣ أبناء. وأختي الصغيرة من أمي عمرها الآن 3 سنين، وأخي ما زال في المرحلة الثانوية، وأنا اقتربت من التخرج من الكلية والحمد لله. وأبي حاليا عمره ٦٥ سنه أطال في عمره، وممتلكاته عبارة عن شقتين و سيارة و صيدلية. و للأسف لا يوجد تواصل بين البيتين، وإخوتي الخمسة غير متقبلين لأمي و لا حتى لنا، و والدي كان يرغب أن يكتب وصية لا يظلم فيها أحدا، وهو يريد شيخا (عالما) يعرف الصورة كلها ثم يحكم بالعدل بيننا في تقسيم التركة . والدي كان أسكنهم في شقة ممتازة منذ أن ولدوا، و بعدما تزوج أمي بقينا في شقة صغيرة وفي منطقة غير جيدة لمدة ١٥ سنة، و بعد ذلك ولأن البيت كان سيقع علينا اشترى لنا شقة كبيرة و واسعة، و الفرق حاليا بين شقتنا وشقتهم كبير، ووالدي عليه قليل من الديون، و أخيرا إحدى أخواتي من أبي تطلقت و معها ابنها الآن، أما الباقون فكلهم متزوجون وعندهم أولاد. و انطلاقا من آية “وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا” فهل حضرتك ترى بأن يكتب والدي ويوزع أملاكه أو أن يوصي بشيء لنا كلنا مع العلم أن أختي الصغيرة لم تكمل تعليمها ولم تتزوج بعد و نحن كذلك لم ننه تعليمنا أيضا. إن فرق السعر بين الشقتين كبير بحيث لو طالبونا بفرق الفلوس فمن الصعب أن ندفعه، فهو حوالي ٢٠٠ ألف جنيه تقريبا ، فهل حضرتك ترى أن يكتب والدي الشقة لنا ولأمي وأن يخصص مبلغا معينا لأختي الصغيرة وفي المقابل يكتب الشقة الأولى باسم إخوتي وأمهم؟، اعتذر عن الإطالة و أرجو الرد الوافي لأن والدي لا يريد أن يظلم أحدا من أولاده، و شكرا .
الجواب:
لم يأمر الله تعالى في كتابه أن يكتب الأب ممتلكاته لأولاده وزوجاته وهو ما زال على قيد الحياة، فالإنسان لا يعلم متى سيموت ولا من سيموت قبل من؟ الأبوان أم الأولاد.
وعليه أن يترك كلا منهم يحصل على نصيبه بعد وفاته حسب شرع الله تعالى لئلا يعمل على قطع أواصر القربى أكثر مما هي عليه الآن.
فإن الله تعالى حين بيّن نصيب كل واحد من الورثة ذكره بعد الوفاة وليس قبله، فقَالَ جَلَّ وعلا:
﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ (النساء 33)
فقد قال (مما ترك) ولم يقل (مما ملك) ولا يترك الإنسان ماله إلا بعد موته.
وعليه أن يستمر في الإنفاق على من يعولهم من الزوجتين والأولاد الذين هم في مراحل التعليم وعلى ابنته المطلقة إن كانت تحتاج إلى النفقة، أما ابنها فينفق عليه أبوه (مطلقها).
وأن يترك أمر تقسيم تركته إلى الوقت الذي سيقضي الله تعالى فيه الأجل حيث يتم تقسم التركة بعد وفاته بما أمر الله تعالى وبما أوصى في كتابه الكريم:
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ (النساء 11)
وحينها يتم حساب ما بقي من ممتلكاته بأن يقدر ثمن كل التركة؛ الشقتين والصيدلية والسيارة وغير ذلك مما ترك، ويوزع على الزوجتين (الثمن) مناصفة بينهما، والباقي للأولاد للذكر ضعف نصيب أخته سواء أكان صغيرًا أم كبيرًا محتاجًا أم غير محتاج.
وعليه أن يفكر كيف يجمع بينهم ويوصل رحمهم بعضهم ببعض ويعمل على تأليف قلوبهم برباط الأخوة:
﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ (الأحزاب 6).
وليعلم هذا الأب أن تأمين أولاده بالرعاية والعطف وغرس قيم الرحمة والعدل والتقوى بنفوسهم أعظم من أن يعمل على تأمين حياتهم المادية، وأن يتوكل على الله ربه ويترك مال الله يقسم كما أراد الله ذلك؛ لأنه:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق 3).
وأنه لو كان تقيًا وترك منهم صغارًا فهو سبحانه من يتولى أمرهم ويحفظ أموالهم رحمة منه كما حفظه لليتيمين حين أرسل لهما كليمه موسى عليه السلام وعبده الصالح، قَالَ اللَّهُ تعالى:
﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ (الكهف 82).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على الفتوى ذات العلاقة على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=2144