السؤال:
لا أشك بأن الله يستجيب دعاء الداعين، لكن عندي إشكال أتمنى أن أجد جوابه عندكم.
الذي فهمته أن هذه الدنيا تسير وفق قوانين خلقها الله تعالى فكل شيء بمقدار. والذي يبذل جهدا يمكن أن يرى نتيجة جهده الدنيوي وقد لا يجد، أما جهده للآخرة فلا يضيع . فهل سيكون للدعاء تأثير في تغيير هذه النتيجة سواء في الدنيا أو الآخرة.
سؤال آخر هل للإنسان أن يسعى ويدعو الله تعالى، وبعض الناس فقط تسعى وترى نتائج كبيرة، قد يكون هؤلاء الناس كفرة لا يعرفون ربهم. وأيضا قد أدعو الله تعالى بشيء لا أستطيع السعي فيه مثلا أذا دعوت بزواج ابنتي من رجل صالح فكيف ستستجاب دعوتي وأنا لا أستطيع السعي فيها مثلا ؟
أتمنى الإجابة وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب:
اعلم أن الدعاء يعبر عن ثقة الداعي بالمدعو سبحانه، لذا كان من علامات الإيمان، وهو من مظاهر العبادة الخالصة لله تعالى. والدعاء لا ينبغي إلا لله وحده، والدعاء لغيره يعد شركا يجب التحرُّز عنه.
قال الله تعالى:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر، 60)
في هذه الآية ترغيب بالدعاء، وقد وردت الآية بصيغة الشرط وجوابه للدلالة على حتمية الاستجابة. كما أن في الآية ترهيبا لمن ترك الدعاء استكبارا على الله أو تهوينا بالمدعو سبحانه.
ومقتضى الاستجابة أن تتغير النتيجة بالنسبة للعاملين، لأنه لو كان الدعاء لا يغير النتيجة للمدعو لما أمر الله تعالى به ولكان عبثا يتنزَّه الله تعالى عن الأمر به.
والمسلم يدعو الله تعالى بكل حاجته سواء تلك التي تطلَّب سعيا أو تلك التي تفوق قدرته على الفعل، فالإنسان كما يدعو ربه الرزق الذي يتطلب السعي فكذلك يدعو ربه أن ينزل عليه الغيث/المطر بالرغم من أنه غير متعلق بالسعي، وكذلك يدعو أن يرزقه الله تعالى الذرية الصالحة والصحة الجيدة والزوج/ة الصالح/ة بالرغم من كون جملة هذه الأمور لا تتحقق بالسعي المباشر.
أما اختلاف نتيجة السعي بالرغم من كون السعي واحدا فذلك يرجع إلى سببين:
الأول: أن نتيجة السعي لا تتوقف على جهد العبد فقط، وإنما على الظروف المحيطة أيضا، التي قد يكون لها دور حاسم في تغيير نتيجة الجهد.
الثاني: إرادة الله تعالى اقتضت أن يختلف الناس في أرزاقهم ومعايشهم ليسخر بعضهم لبعض فتتكامل الأدوار وتعمر الحياة. قال الله تعالى:
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32]
والمؤمن الحق هو الذي يرضى بالنتيجة التي يحصل عليها، لأنها جزء من الابتلاء؛ فكل نعمة تُقابل بالشكر وكل نقصان يُقابل بالصبر. فالعطاء الذي يحصل عليه الإنسان في الدنيا ليس له علاقة بإيمانه وكفره، بل متعلق بالسببين المذكورين أعلاه وهما متداخلان بحيث لا يتصور انفصال أحدهما عن الآخر.
أما العمل الصالح الذي يبتغي به العبد مرضاة الله تعالى فإنه لا يضيع أبدا إلا إذا أشرك العبد بعد ذلك. يفهم هذا من قوله تعالى لنبيه، والمقصود جميع الناس:
﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر: 65-66] .
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بقراءة مقالة (أعظم الدعاء) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=1309