السؤال:
قرأت في موقعكم أن النكاح/ الزواج هو السبيل الوحيد للاستمتاع بملك اليمين، فإن كان الأمر كذلك فما تفسير أوائل الآيات من سورة التحريم؟ ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التحريم: 1]
الجواب:
بحسب المنهج الذي بينه الله تعالى لتفسير كتابه علينا أن نجمع الآية مع ما يفصلها من الآيات، والآية المفصلة هي قوله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 50]
هذه الآية تبيح للنبي أن ينكح من المذكورات في الآية، ومن جملتها امرأة الفيء، ويظهر من خلال آية التحريم أن نبينا الكريم قد حرم على نفسه نكاح واحدة ممن ينطبق عليها أن تكون من جنس المذكورات في آية الأحزاب.
ولو خرجت ملك اليمن من العطف على النكاح لخرجت منه بقية النساء اللائي ذكرن بعدها من بنات الأعمام والأخوال لأنهن معطوفات على ملك اليمين، حيث حلِّلت جميع المذكورات للنبي بالزواج المذكور في بداية الآية الكريمة: “أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ”.
وقوله تعالى “إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا”، يوضح بجلاء أنه لا تحل له أيا من المذكورات إلا بالنكاح. وهكذا يسقط زعم التسري الذي نسب افتراء إلا الله ورسوله.
وما خُص به النبي الكريم في موضوع النكاح هو الجمع بين ملك اليمين والحرائر ، ولذلك جاء العطف بينهن بحرف الواو الذي يفيد الجمع، وخص كذلك بالجمع بين أكثر من أربع زوجات وبعدم نكاح أزواجه من بعده أبدًا.
وهذا ليس لجميع المؤمنين إذ لا يحل للرجال أن يجمعوا بين الحرة وملك اليمين كما دلت عليه الآية التالية:
﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ (النساء 25)
أما العتاب الموجه للنبي في آية التحريم فلم تفصل الآية ما الذي حرمه نبينا على نفسه، لأن الغاية من إيراد هذه الحادثة هو التنبيه على أنه لا يصح للمسلم أن يحرم على نفسه ما أحله الله تعالى له من أجل أن يرضي الناس، فالمسلم عبد لله وليس عبدا لغيره.
أما المفسرون فينقلون أن ما حرمه النبي هو تحريمه مارية القبطية على نفسه لما رأى من غيرة حفصة منها، فعاتبه ربه لأنه حرم على نفسه ما أحل الله تعالى له إرضاء لزوجته حفصة.
وهذا الذي نقله المفسرون ليس مقطوعا بصحته بالطبع، ولا يلزم أن يكون سببا لنزول الآية بالضرورة، ولو صح أن يكون سببا لنزولها فإن حكم الآية أعم من سبب نزولها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.