السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وددت أن أسأل كثيرا هل في يوجد ديننا تناقض؟ فعندما أرى أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه يبيح ضرب النساء تحت مسمي الضرب الغير المبرح! أو فاضربوهن ولكن لا يضرب خياركم! وأحاديث كثيرة يستشهد بها الشيوخ على ضرب النساء و في الوقت ذاته أكدت زوجة الرسول أنه لم يضرب بيده شيئا قط .. فكيف يحث الناس على ما لا يفعله؟ و ماذا نصدق أقواله أم أفعاله؟! ولماذا يحث الناس علي شيء لم يفعله؟
فكثير من الناس تضرب تحت ستار الضرب الغير مبرح بل إنهم يقولون أن الضرب حكم شرعي وأنه لتأديب للزوجة!
فهل علي حرج أنني أكره هذا الكلام لأنني أشعر بإهانة شديدة في الضرب سواء مبرح أو غيره ؟
و كيف نرد علي كل شيخ يجيز هذا العنف تحت ستار أن الله شرعه في كتابه و سنته؟
هل يرضى الله تعالى لعباده الإهانة و الأذى لإصلاحهم و تأديبهم فعلا؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المشكلة الأساسية في هذا الموضوع إعطاء كلمتي النشوز والضرب معنى مخالفا لسياق الآيات ومقتضى اللغة.
جاء في الآية 34 من سورة النساء قوله تعالى : ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ (النساء، 34)
وقد ورد في الآية الكلمتان التاليتان:
النشوز: وهو قيام الشخص من المجلس بهدوء حينما يريد المغادرة.
الضرب: وهو وضع الشيء على الشيء أو تثبيته، ومعنى كلمة الضرب التي تستخدم في كل عمل تقريبا يتغير حسب الشيء المضروب أو المثبت.
في التفسير التقليدي يعطون كلمة النشوز الواردة في الآية السابقة معنى عدم الطاعة (العصيان)، كما أعطوا كلمة الضرب معنى الإيذاء الجسدي، وبإعطاء ذات المعنى للأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع تكونت القناعة بأن الإسلام أعطى للرجل صلاحية ضرب زوجته.
والحق فإن المعنى المعطى للآية خطأ بالجملة، والمعنى الصحيح هكذا:
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (الرجال يحمون نساءهم ويحيطونهن بالعناية) بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (ذلك أن القوة ميزة للرجل) وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (فهو مكلف بالإنفاق على زوجته) فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ (يحفظن أنفسهن لأزواجهن فقط لميزة وضعها الله تعالى فيهن) وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ (أي افتراقهن عنكم) فَعِظُوهُنَّ (بالكلام الحسن) وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ (فلا تجامعوهن) وَاضْرِبُوهُنَّ (أي أبقوهن في بيوتكم) فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ (بأن رجعن عن قرار الافتراق عنكم) فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا (فاقبلوا ذلك منهن ولا تعاقبوهن على ما فعلن) إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ (النساء، 34)
إن إعطاء كلمة النشوز معنى “عدم الطاعة” وكلمة الضرب معنى “الإيذاء الجسدي” مخالف لمنهج القرآن العام كما أنه مخالف للتناسق الداخلي في الآية ذاتها. يقول الله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم، 21)
الضرب بمعنى الإيذاء هو عكس مقتضى الرحمة والمحبة التي تحكم العلاقة بين الأزواج.
ثم إن ضرب الإنسان مخالف لتكريم الله تعالى له، حيث قال سبحانه:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (الإسراء 70)
والنشوز لا يأتي بمعنى العصيان أو الخوف من الزنا، ولا علاقة للكلمة بالعصيان أو الزنا من قريب ولا من بعيد.
يقول الله تعالى : ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ (المجادلة: 11) أي افترقوا عن المكان وغادروا، فنشوز المرأة هو إرادتها إنهاء الحياة الزوجية والافتراق عن الزوج.
وإن كانت المرأة تريد الافتراق عن زوجها فليس من المعقول أن يجعلها تعود عن قرارها بالضرب (بمعنى الإيذاء الجسدي)، فهو ليس وسيلة للإقناع أصلا، بل وسيلة ترهيب وإكراه، وإن كانت المرأة تكره زوجها وتريد الافتراق عنه فهل إيذاؤها جسديا يجعلها تحبه وتعود عن قرارها؟ هذا غير ممكن طبعا.
أما الثابت عن نبينا الكريم فهو أنه لم يضرب (بمعنى الإيذاء الجسدي) إنسانا قط، وهو القدوة الحسنة للمؤمنين، فإن كان يترفع عن ضرب الإنسان فمن باب أولى ألا يدعو إليه.
وقد ورد في خطبته في حجة الوداع ما يلي:
«…فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ»[1]
ومن الجدير ملاحظة أن نبينا الكريم قد استخدم نفس مفردات الآية باستثناء زيادة القيد (ضربا غير مبرح)، ولا بد أن تكون هذه الزيادة من تصرف أحد الرواة لما غاب عنه معنى الضرب المقصود بالحديث، فظنه الإيذاء الجسدي على اعتبار أنه المعنى المتبادر للكلمة، فأضاف القيد (ضربا غير مبرح) حتى لا يتمادى الرجل إن عاقب زوجته بإيذائها جسديا، ولو فهم معنى الكلمة لما اضطر لهذا القيد ولنقل كلام النبي بحذافيره.
وللمزيد من التفاصيل حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (ضرب الزوجة) على هذا الرابط https://www.hablullah.com/?p=2945
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] «مسند أحمد» (34/ 300 ط الرسالة)