السؤال:
نعلم أن من أهداف الزواج تحقيق الرغبة الجنسية لكل من الزوج والزوجة، فكيف أفتى البعض بحرمة غياب المرأة عن الزوج بلا إذن في الوقت الذي يُسمح للزوج الغياب عن البيت لمدة تزيد على الأربعة شهور؟!
أوليس من العدل أن يكون الإذن حقا متبادلا وأن تكون مدة الغياب المشروطة لكليهما ذاتها؟
وهل من حق الزوج أن يرغم زوجته على السفر؟
فمهما كان السبب فالإرغام بحد ذاته يفسد المحبة وطبيعة العلاقة المطلوبة بين أي شخصين! فالمرأة ليست تابعة حتى تعيش حياتها مرغمة في أكثر الأشياء!
الجواب:
إن مسألة أن يفتي البعض بفتوى فعليه أن يأتي بالدليل من كتاب الله تعالى وإلا فلا اعتبار لها وهي تعبر عن وجهة نظر صاحبها ولا يلزم العمل بها.
أما بالنسبة لمسألة طلب الإذن من الزوج ففيه وجوه:
- مبدأ الإذن هو مبدأ قرآني أصيل ينبع من التربية الحسنة ويصب في مصلحة الجميع قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النّور 62)
فالرسول الكريم كان قائدًا لأصحابه وللمؤمنين ومسؤولًا عنهم، وليس للإذن علاقة بالتجبر أو فرض السيطرة على الآخر، فقد خاطبه ربه قائلا:
﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية 22).
فتشريع طلب الإذن يقصد منه تنظيم حال الجماعة بما يضمن سلامتها وضمان أمنها.
وعلى ذلك فإن الإذن واجب على المرأة من زوجها قبل خروجها من البيت أو دخول غريب إلى بيتها في غيابه، وليس ذلك تعنتًا أو نقصًا أو ظلمًا لها وإنصافًا للرجل على حسابها، ولكن لأن الزوج هو المطالب بالقوامة على المرأة وهو المسؤول عن رعايتها والحفاظ عليها من أي مكروه، وبالتالي فعليه أن يعلم مكان تواجدها حتى يستطيع القيام بواجبه تجاهها.
وقد جعل الله سبحانه المرأة زينة في حد ذاتها ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ﴾ (آل عمران 36) وأوجب على الرجل التكفل بها سواء أكان أبًا أم زوجًا من باب حفظها وليس حبسها.
ومع ذلك فإن للمرأة الحق في الخروج لرعاية أبويها أو للضرورة بدون إذن زوجها إن تعنت ولم يسمح لها، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
- الإذن لا يجب على الرجل حين خروجه من بيته للعمل لأنه في الأصل هو المسؤول عن الإنفاق على أسرته حيث يترتب عليه الخروج بشكل دائم، ولكنه في الوقت نفسه عليه أن يحترم زوجته بأن يجيب على أسئلتها المتعلقة بما يريبها وأن يخبرها عن طبيعة عمله حتى تطمئن عليه وإليه، ولأنها ربما تحتاجه فيسهل عليها التواصل معه، ذلك أن الله تعالى يقول:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة (228)
- أما الإذن في حالة السفر فهو حق لكلا الزوجين على التساوي، فإن أراد الزوج أن يسافر فعليه أن يستأذن زوجته فإن رضيت فلا شيء عليه سواء طالت المدة أم قصرت، وإن لم تسمح له الزوجة فإن الشرع قد أمهله لمدة أربعة أشهر للعودة إليها قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة 226)
وإن تأخر بعدها فيحق للزوجة طلب الطلاق والحصول على كل حقوقها:
﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة 227).
وإن أرادت هي السفر فعليها أن تستأذنه، فإن سمح لها سافرت سواء قلت المدة أو زادت عن أربعة أشهر، وإن منعها وكان سفرها للضرورة كما ذكرنا فلها أن تسافر دون موافقته، وفي هذه الحالة إن أراد الزوج الطلاق فله ذلك، فلا سلطة لكليهما على قبول وضع رغمًا عنه.
إما بالنسبة لمسألة إجبار الزوجة على السفر مع زوجها فليس في دين الله تعالى إجبار، وهو الذي لم يُكره الناس على الإيمان به وهو خالقهم:
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة 256)
فكيف يُعطي هذا الحق للزوج في أن يُجبر زوجته على أي شيء لا تريده سواء أكان السفر أم غيره من أمور الحياة الزوجية التي وصفها رب العالمين بالسكنى والمودة والرحمة؟!