السؤال:
هل النفاثات في العقد لها علاقة بالسحر كما يشرحها المفسرون أم لها معنى آخر؟.
جعل الله ما تقدمونه في ميزان حسناتكم، وهدى الله المسلمين ليتخلصوا من الأفكار التي حبستهم في دوامة الجهل.
الجواب:
يتم تفسير هذه الآية تقليديا كما يلي: «ومن شرّ السواحر الّلاتي ينفُثن في عُقَد الخيط، حين يَرْقِين عليها»[1].
والتفسير السابق لم يراع منهج تفسير القرآن بالقرآن، ذلك أن آيات القرآن يُفصل بعضها بعضا (هود 1-2). فعند النظر في الآيات المفصلة سيتبين أن التفسير التقليدي خاطئ، ولو كان صحيحا لوجدت آية في القرآن تبين بأن السحر حقيقي وأن الساحر يمكنه تغيير الحقائق بمجرد نفخه في ما يعقده من التمائم. لكن القرآن وصف ما فعله سحرة فرعون ضد موسى عليه السلام بأنه مجرد وهم وخداع بصري لا تأثير له. قال تعالى:
﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 116]
والآية التالية تصف أن عمل الساحر لا حقيقة له:
﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]
وقد وُصف السحر الذي أتى به سحرة فرعون بأنه عظيم، لكنه لا يتعدى أن يكون خداعا للعين وأنه لا يؤثر في حقيقية الأشياء، فكيف بما هو أقل منه؟ لذلك لا يمكن قبول التفسير التقليدي للآية. لأن مجرد نفخهم لا يؤدي لشيء.
(الْعُقَدِ) جمع عقدة وهي تدل على قوة العلاقة[2]، وإن تم العقد بين اثنين على بيع أو نكاح أو غير ذلك صار الوفاء به ملزما. وكلمة العقيدة مشتقة من نفس الجذر؛ وتعني انعقاد القلب على الارتباط بالله تعالى.
النفاثات هي صيغة الجمع لكلمة (نفاثة)؛ وهي مشتقة من نفس الجذر (نفث) ، مما يعني شيئًا مشابهًا للنفخ.
يأمرنا الله تعالى أن نستعيذ بالله من شر النفاثات. وشرها يسمى النَزْغُ. لأن كلمة (النَزْغ) تعني التفريق بين شيئين[3]. وحيث إن الشياطين تحاول إفساد علاقة الإنسان بالله تعالى وعلاقة الإنسان بالإنسان فقد ورد تحذير الله تعالى من نزغ الشيطان فقال سبحانه:
﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء: 53]
ثم أمرنا أن نستعيذ به من نزغه، فقال:
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: 36]
وهكذا يتبين أن النفاثات في العقد هي النفوس الخبيثة من شياطين الجن والإنس الذين يعملون على إفساد العلاقات بين الناس فيما بينهم وإفساد العلاقة بين الإنسان وخالقه سبحانه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] «تفسير الطبري = جامع البيان ط دار التربية والتراث» (24/ 704)
[2] انظر مفردات الراغب الأصفهاني، مادة عقد
[3] مقاييس اللغة، مادة نفث