السؤال:
قرأت في موقعكم الكريم أن الإصابة بالعين لا حقيقة لها وليس لها أصل في ديننا، لكم ما معنى قوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}؟ أليس هذه الآية تعلمنا الاستعاذة بالله تعالى من شر الإصابة بالعين؟
الجواب:
الحسد شعور قلبي موجود في بني آدم، ودواؤه اليقين بأن الله تعالى قسم أرزاق العباد وأن كل عبد مبتلى فيما أعطاه الله تعالى، فالرضا بما قسم الله تعالى يطفئ الحسد في القلب ويجعل القلب مطمئنا متصلا بخالقه غير متعلق بحطام الدنيا والنظر إلى ما في أيدي الآخرين.
هذه الآية تعلم المسلم أن يستعيذ بالله من شر الحاسد وليس من عينه، وبين شره وعينه فرق كبير، فرؤية الحاسد للمحسود لا تؤثر فيه، وما يُقال عن خروج قوة (سمية غضبية) من عين الحاسد (العائن) تجاه المحسود فمجرد وهم لا حقيقة له.
أما شر الحاسد فينبغي الحذر منه لأن الحاسد قد يؤذي المحسود بالكلام كالتشويه والافتراء والحط من القدر، أو بالفعل كقصده بالقتل أو ما دونه من صور الإيذاء الحسي، وكم من قتيل قُتل حسدا، وكم من مستهدف في نفسه وأهله وماله بسبب الحسد. ولنا في قصة ابني آدم لدليل وعبرة.
وقوله تعالى {إذا حسد} ليس جملة زائدة بلا معنى، وإنما لها محل يوضح متى ينبغي الاستعاذة من شر الحاسد، ولو سألنا متى ينبغي أن نستعيذ من شره؟ فيكون الجواب : (إذا حسد). وقد ذكر بعض المفسرين بأن المعنى إذا ظلم وتعدى[1]. وهذا معنى متعيِّن ينبغي اعتماده.
عنَّ سَهْل بْن أَبِي أُمَامَةَ أن أنس بن مالك رضي الله عنه لما مرَّ بِدِيَارٍ بَادَ أَهْلُهَا وَانْقَضَوْا وَفَنُوا وهي خَاوِيَةٍ عَلَى عُرُوشِهَا َقَالَ: أَتَعْرِفُ هَذِهِ الدِّيَارَ؟ فَقُلْتُ مَا أَعْرَفَنِي بِهَا وَبِأَهْلِهَا؟ فقال: هَذِهِ دِيَارُ قَوْمٍ أَهْلَكَهُمْ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ، إِنَّ الْحَسَدَ يُطْفِئُ نُورَ الْحَسَنَاتِ وَالْبَغْيُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ، وَالْعَيْنُ تَزْنِي وَالْكَفُّ وَالْقَدَمُ وَالْجَسَدُ وَاللِّسَانُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ)[2]
يُفهم من قول أنس رضي الله عنه أن مجرد الحسد لا يؤثر في المحسود إلا إذا تعدى حالة كونه حبيس القلب إلى ظهور ذلك على جوارحه بالاعتداء أو الإيذاء أو التحريض.
قال الحسن البصري رحمه الله: ليس أحد من خلق الله إلا وقد جُعل معه الحسد، ومن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه شيء. وقيل للحسن: يا أبا سعيد، أيحسد المؤمن؟ قال: أنسيت إخوة يوسف؟ وفي رواية: قال رجل للحسن: هل يحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك بني يعقوب؟ نعم، ولكن غمَّة في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولا لساناً. فالعبرة ليست في مجرد الحسد والنظرة، وإنما العبرة فيما يتبع ذلك، من بغي وظلم وتعدي[3].
يقول الغزالي: “لو كانت النعمة تزول بالحسد لم يُبق الله عليك نعمة ولا على أحد من خلقه، ولا نعمة الإيمان أيضا لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان، قال تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم..} (البقرة 109)[4]
*للمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالتين التاليتين:
(الحسد وعلاقته بالعين) https://www.hablullah.com/?p=1337
(عين الحسود بين أساطير الجدود والحقِّ المشهود) https://www.hablullah.com/?p=5029
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تفسير السمعاني على سورة الفلق
[2] سنن ابي داوود، باب في الحسد، رقم الحديث 4258
[3] ابن عبد البر، بهجة المجالس، ص 88
[4] موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، 1/ 229