السؤال:
قرأتْ أختي على موقعكم مقالة عنوانها: (أسباب الخلافات الزوجية) حيث ورد فيها كلاما أرادت أن تسأل عنه، فقد ورد في المقالة: “أن من أسباب ضياع قوامة الرجل أن المرأة أصبحت تعمل و هذا يعطيها ثقه بنفسها و يجعلها لا تطيع زوجها”.
سؤالها: هل الإسلام يعارض أن يكون عند المرأة ثقه بنفسها!؟ و هل قوامة الرجل تتطلب أن ينفق عليها فقط لكي يتمكن من السيطرة عليها وأن يجعلها تطيعه لأنها في حاجة له ولا تستطيع الاستغناء عنه ماديا؟! فتكون ذليلة في سبيل أن تأكل و تشرب.
هل يكره الإسلام أن يكون للمرأة كيان ومستقبل و طموح ؟! فهل أمر بالإنفاق عليها ليكون هذا سبب في كسرها و حاجتها إليه؟
هل فرض الله على الرجل الإنفاق لتكون الكلمة كلمته و لا يكون لها رأي؟
كما قيل في المقالة أن على الزوجة أن تطيع زوجها مع أنه في بقيه مقالاتكم تقولون أنه يجب عليهما مطاوعة بعضهما البعض. و لماذا أوجب الله عليها طاعته و أين هو دليل ذلك من الدين؟
الجواب:
في البداية علينا أن نفهم معنى الطاعة والقوامة جيدًا ، لأنهما من المفاهيم الإسلامية التي لحق بهما التحريف تارة وسوء الفهم تارة أخرى.
- فالقوامة أصلها من القيام على الأمر، والرجل هو القوام في أسرته، فهو يعمل على رعاية وحفظ من يقوم عليهم. والله سبحانه وتعالى هو القيوم، لأنه يقوم على الجميع ويقوم على حفظ السموات والأرض وما بينهما، ولكن _بالطبع_ هناك فرق بين القوام والقيوم.
فقد نُسبت القوامة إلى البشر ونُسبت القيومية إلى الله تعالى؛ ذلك لأن القوام يعتريه النقص أو العجز عن القيام بالأمر لما يتصف به البشر من الضعف والغفلة والنسيان، بالإضافة إلى السلبيات التي يكتسبها الإنسان في حياته نتيجة للتباغض والتحاسد والأنانية التي تؤثر على مدى عدالته في الالتزام بهذا الأمر.
أما القيوم فلا يعتريه كل ما سبق، كما بينته آية الكرسي (البقرة 255)، والله تعالى لا يقوم فقط على حفظ ورزق من يحب ويترك من يكره، بل إنه تعالى يرزق الكافر والمؤمن، وعدله تعالى لا يتوقف عند أحد:
﴿كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ، وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ (الإسراء 20)
ولا يشغله تعالى شأن عن شأن آخر.
وإذا جئنا لمسألة الطاعة فقد لحق بها الفهم الخاطئ أيضا:
- إن كلمة الطاعة تعني القبول من القلب (برضى النفس) ولا تعني الخضوع والخنوع والذل، ولا علاقة لها بالتجبر والتسلط بدليل قوله تعالى:
﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ (فصّلت 11)
فالآية الكريمة فرقت بين الإتيان بدافع الرضى والقبول القلبي وبين الإتيان بالإجبار، فسمت الأول (طوعا) والثاني (كرها).
ولذلك عبر القرآن الكريم عن علاقة الإنسان بربه سبحانه وبرسله بالطاعة:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (آل عمران 132)
ليبين لنا أن الطاعة لا تأتي بالإكراه:
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة 256)
نفهم مما سبق أن القبول عن غير رضى وطيب نفس لا يسمى طاعة، وإنما له مسميات أخرى كالإكراه والإذعان والاستسلام، ولخلو هذه الأوصاف عن الرحمة فقد منع الله تعالى حتى أنبياءه أن يكونوا متسلطين على الخلق:
﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ (ق 45)
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية 21-22)
وإذا كان الله سبحانه وهو القيوم على السموات والأرض وما بينهما لم يكره عباده على الانقياد له كرها، فكيف يأمر المرأة بأن تنقاد لزوجها جبرا عنها؟.
فالطاعة كما بيَّنا تنبع من الرضا والقبول بسبب المودة والسكينة والرحمة من كلا الزوجين لبعضهما وليست لطرف دون طرف:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرّوم 21)
فطاعة المرأة لزوجها ليس بسبب إنفاقه عليها، ذلك لأن الإنفاق أمر واجب من الله تعالى وليس أمرًا اختياريًا، كما أن المطاوعة بين الزوجين أمر ضروري لاستمرار الحياة الزوجية. فكون المرأة عاملة لا يعفيها من مطاوعة زوجها، كما أنه لا يعفى من مطاوعتها مهما بلغ مجده. ولنا في أنبياء الله أسوة حسنة. فالطاعة ليست مقتصرة على المرأة لزوجها بل إنه مطالب كذلك بتنفيذ مطالبها وتوفير احتياجاتها، وهذا يُسمى طاعة لها، قال الله تعالى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة 228)
وفكرة الاستغناء المادي من الأفكار الدخيلة على المجتمع المسلم من ثقافات تقدس المادة وتراها مركز القوة والنفوذ والسيطرة، لكن الأمر ليس كذلك في ديننا، فكون المرء منفقا لا يعطيه الحق في التجبر بمن ينفق عليهم، حتى لم يعطه الحق بما دون ذلك وهو المن عليهم، فقد اعتبر المن محبطا للعمل بقوله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ (البقرة 264)
ولا مانع من حدوث بعض النزاعات الطبيعية بين الزوجين نتيجة اختلاف الطباع والتربية فيتمسك الزوج برأيه مرة وتصر هي مرة، والعاقل من يتنازل مرضاة للآخر، لأنه سيجد السعادة في نفسه والتجاوب من شريكه، فكلاهما يتغاضى عن تلك الخلافات لتسير الحياة بالمودة والسكينة وفق ما أراد الله تعالى:
﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ﴾ (النساء 59).
ومن هنا فإن القوامة والطاعة لا علاقة لهما بما نسجه البعض من مفاهيم حول الموضوع الذي كان للبيئة الاجتماعية والتصورات المغلوطة الأثر الأكبر في بلورته ونسبته بصورة أو بأخرى لدين الله تعالى.
والمقالة التي أشار إليه السائل[1] لم تذكر أنه يجوز للرجل فرض رأيه أو تسلطه على من ينفق عليهم، بل إنها تتحدث بصورة موضوعية عن بعض أسباب تمزق الأسر ومنها ابتعاد كثير من المسلمين عن نمط الحياة التي أقرها الله تعالى لعباده، ومن ذلك وجوب الشقاء على الرجل لما أوتي من قوة بدنية تؤهله لذلك، بينما لم يكلف المرأة بالشقاء لئلا تنشغل بالكسب فينهك جسدها بالعمل، فأعفاها من ذلك لتتفرغ لمهمة أعظم وأرقى ألا وهي بناء الإنسان، وهي مهمة تفوق تشييد البنيان، ونحن نلمس بأيدينا ما حدث في مجتمعاتنا عندما تخلت المرأة عن دورها الأساسي وخرجت تنافس الرجل في الشقاء فأنهكها العمل وانشغلت بما لم تؤمر به عن رعاية أبنائها وعائلتها وربما نسيت نفسها في خضم هذه الحياة القاسية.
و قد فرض الله تعالى على الرجل ما لم يفرضه على المرأة، فطالبه بالإنفاق عليها ورعاية أسرته:
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ (طه 132)
ولم يفرض الله تعالى على المرأة إلا المشاركة في رعاية أسرتها رحمة بها ولم يكلفها أكثر مما تطيق.
وخروج المرأة للعمل ليس مشكلتها وحدها بل هو مشكلة عامة يتحمل المسؤولية عنها المجتمع والحكومة والرجل على حد سواء.
عندما تخلت الحكومات عن دورها في توفير البيئة الاقتصادية المحفزة ومحاربة الفساد فقد تراجعت دخول الأفراد مما جعل عمل الرجل وحده غير كاف للحياة الكريمة. وعندما تخلى الزوج عن قوامته وطالب زوجته بالمشاركة بالإنفاق على البيت أصبح كلاهما منهكًا منشغلا لا يجدان من يرعى ذريتهما أو حتى من يحنو على أفراد الأسرة، فكلاهما مرهق وغاضب مما يلاقيه في سبيل الحصول على المال مما يزيد من المشكلات بينهما.
فالجميع قد خالف الفطرة وخالف أوامر ربه عندما قصر أو تخلى عن القيام بواجبه، والخاسر الأكبر هنا هم الأطفال الذين يعانون الوحدة والضياع بسبب انشغال والديهم عنهم.
كما يجدر الإشارة إلى أمرين هامين:
- إن العمل ليس وحده ما يعطي المرأة الثقة في النفس، فهذه شعارات رنانة القصد منها احتقار دور المرأة في بيتها والإيحاء بأن العمل خارج البيت فقط هو ما يمنحها الثقة.
والحق أن سبب الثقة الأعظم هو إيمان المرء بدوره في الحياة ويقينه بشريعة ربه وتسليمه له، فالثقة مصدرها العزة، ولا تأتي هذه إلا بالارتباط بمنهج العزيز الحكيم:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ (فاطر 10)
ثم يأتي بعدها توابع هذا الإيمان من التحلي بالصفات التي تعين الإنسان على بناء الثقة من الصدق والأمانة والعدل، فالإنسان يشعر بالثقة عندما يؤدي ما عليه من مسؤوليات على أكمل وجه أو قدر المستطاع.
- إن الإسلام لم يهن المرأة ولم يحد من طموحها كما يزعم البعض. قَالَ الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء 32)
فالمرأة يحق لها أن تكسب وترتقي وتحقق ما تتمناه ضمن حدود ما شرع الله تعالى، كما هو الحال للرجل. وقد ضرب الله تعالى لنا المثل بملكة سبأ عندما أسلمت مع نبي الله سليمان إذ لم يسلبها إسلامها الملك والحكم كما كانت تظن. بل إن نبي الله سليمان استقبلها بأحسن ما يكون عليه استقبال الملوك، وفي هذا إقرار منه لها في مقامها ومنصبها.
وختامًا: فإن الله سبحانه وتعالى خلق البشر جنسين:
﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ﴾ (النجم 45)
وكلاهما فيه نقص يكمله الآخر قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا، وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (الزخرف 32)
ولم يفضل أحدهما على الآخر :
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل 97)
ومعيار التفاضل الوحيد عند رب العالمين هو التقوى والعمل الصالح، قَالَ اللَّهُ تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المقالة بعنوان (أسباب الخلافات الزوجية) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=1425