السؤال:
يروى عن نبينا الكريم أنه قال: “إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله عز وجل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض”
أرجو توضيح الحديث الشريف لأني لم أفهمه جيداً.. فمن هم العترة الطاهرة؟
وما يجب أن نفعله أو نعتقده بالعترة الطاهرة؟
ولماذا الشيعة يقولون بأن الله سبحانه وتعالى فرض طاعة 12 معصوما من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟ هل هذا صحيح؟…وضحوا لي فإني لم أفهم جيدا.
الجواب:
يروى عن رسولنا الكريم أنه وقف خطيبا يوم عرفة في حجة الوداع وكان مما قاله:
““وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله”[1]
هذا ما قاله رسولنا الكريم، لكن الطوائف والمذاهب تمسكت كل واحدة بروايات أخرى فيها زيادات تؤيد مذهبها:
فقد تمسك الشيعة برواية فيها هذه الزيادة: (وعترتي أهل بيتي)
وقد تمسك أهل السنة برواية فيها هذه الزيادة: (وسنتي)
والحق أن كلا الزيادتين مفترى على رسولنا الكريم بالمعنى الذي أرادوه[2]، لأنه _عليه الصلاة والسلام_ لا يبلغ للناس إلا ما أوحى الله تعالى إليه من الكتاب والحكمة، ولو قرأنا كتاب الله تعالى لن نجد أمرا واحدا باتباع غيره.
أما السنة في كتاب الله تعالى فهي سنة الله، أي قوانينه وشرائعه التي أنزلها في كتابه وأمر نبيه والناس أجمعين بالتزامها[3]، فالسنة تضاف إلى الله تعالى أصالة وإلى رسوله تبعا.
أما عبارة “أهل البيت” فالمقصود بها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قال الله تعالى:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 32-33]
وعلى الرغم من وضوح دلالة الآية على أزواج نبينا الكريم إلا أن الشيعة يعطونها معنى آخر ويخرجون نساء النبي منها، بالاعتماد على روايات لا تتفق مع صريح القرآن، وهم بذلك يخالفون نص القرآن جملة وتفصيلا في هذه المسألة.
ويتمسك الشيعة ببعض الروايات المذكورة في كتب أهل السنة كذلك، كالتي رواها مسلم في صحيحه في باب فضائل عليّ بن أبي طالب:
عن زيد بن أرقم قال: “قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ” فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ”[4]
وعند قراءة هذا الحديث ينبغي الانتباه إلى ثلاثة مسائل:
الأولى: أن المنسوب إلى رسول الله من هذه الرواية هو الوصية بالتمسك بكتاب الله تعالى والتذكير بأهل بيته صلى الله عليه وسلم وأنهم مكلفون بتبليغ كتاب الله تعالى في حياته وبعد وفاته، وهذا تأكيد على الأمر القرآني الوارد لنساء النبي في قوله تعالى:
﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]
الثانية: اعتبار أن المقصود بأهل البيت هم “آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ” هو اجتهاد زيد بن أرقم وليس نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الاجتهاد _إن صحت الرواية_ لا ينقض صريح الآية التي عدت نساء النبي هن أهل البيت.
الثالثة: عبارة (أهل البيت) تطلق بالضرورة على من يأهلون البيت أي من يسكنون فيه، ولا يصح هذا إلا على أزواج الرجل وأولاده (وأحفاده تبعا لذويهم)، فإن كان من المعقول أن يكون أبناء فاطمة من أهل بيت النبي فيستبعد أن يكون غيرهم من أهل بيته كأبناء عمومته.
وهذا لا ينفي اختصاص أقارب النبي بالمحبة والولاء لقربهم من رسول الله ولاء ونسبا، فطبيعة الإنسان تميل إلى أقارب من يحب، وقد كان نبينا الكريم يذكِّر قومه بصلة قرابته منهم لبيان حقه عليهم، كما تبينه الآية التالية:
﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23]
وشأن المؤمن مع المؤمن أن يحبه وينصره ويواليه. قال الله تعالى:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71]
وقد علمنا ربنا أن ندعوا للذين سبقونا بالإيمان:
﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]
أما زعم الشيعة بأن الله سبحانه وتعالى فرض طاعة 12 معصوما من آل بيت رسول، فليس عليه دليل من كتاب الله تعالى، وعندما ينسب أحد حكما إلى الله تعالى فعليه أن يأتي بالدليل من كتابه وإلا اعتبر رأيه لغوا لا يلزمنا بشيء.
ثم إن زعم العصمة لآل البيت وحتى للأنبياء فليس عليه دليل من كتاب الله تعالى، فالأنبياء عليهم السلام وكذلك أبناؤهم وأصحابهم غير معصومين عن الخطأ، وكيف يعصمهم الله تعالى ثم يجعلهم قدوة لغير المعصومين؟! لكن العصمة للأنبياء هي حفظ الله تعالى لهم من الناس فلا يتركهم الله تعالى ليتمكن منهم أعداؤهم بالقتل أو ما دون ذلك مما يعطل قدرتهم على تبليغ رسالته سبحانه[5].
قال الله تعالى مخاطبا نبيه الخاتم:
﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
[1] صحيح مسلم الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. أبو داود المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
[2] هناك روايات تنسب إلى نبينا الكريم وصيته بأهل بيته، أي بودهم وإدامة الصلة بهم، وهذا المعنى متعين، والمسلم الحق الذي يحفظ لرسول الله بيته وقرابته، وقد أمر الله تعالى نساء النبي أن يعلمن الناس ما تعلمنه من الكتاب والحكمة [الأحزاب: 34] واحتراما لبيت النبوة حرم الله تعالى على المؤمنين أن ينكحوا نساءه من بعده: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: 53] لذا كانت أزواجه أمهات المؤمنين ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6] والأم محلها التقدير ودوام الصلة.
والأمر يقال بأقارب النبي الذين آمنوا به وصدقوه ونصروه، فلا بد من حفظ أقدارهم ومودتهم لقربهم من رسولنا الكريم، لكن ذلك لا يعني أنهم يعتبرون مصدرا للتشريع، وكأن كلامهم وما يصدر منهم وحي من السماء، أو أنهم معصومون بطبعهم وما يصدر عنهم تجب طاعته، فهذا من الشرك الذي لا يغتفر.
[3] انظر مقالة عبد العزيز بايندر (مصطلح السنة بحسب القرآن والتراث) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=5877
[4] صحيح مسلم (4/ 1873 ت عبد الباقي)
[5] انظر مقالة جمال نجم (قتل النبيين والنبوة _ ادعاء عصمة الأنبياء) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=3106