السؤال:
أنا أعاني من بعض الوساوس في العقيدة وخاصة في الأمور التي تخص المرأة، فمثلا عندما كنت أتساءل عن شهادة المرأة في الأمور المالية ولماذا هي نصف شهادة الرجل وجدت أن المرأة لا تقبل شهادتها في الحدود والقصاص ووجدت تفسير ذلك أن الحدود تسقط بالشبهة والمرأة شهادتها غير كامله وأن المرأة ناقصة قاصرة وأن الرجل أنفع وأصلح وأفضل من المرأة، لأن الله فضل الرجال وخصهم بالنبوة والإمامة والخلافة وغيرها وذلك في موقع دعوي مشهور، وهذا الأمر استوقفني بشدة فإذا كنت ناقصة قاصرة فكيف يحاسبني الله أنا والرجل ويعاقبني بنفس العقاب والله هو العدل؟ وإذا كان عقلي ناقصا فكيف أحاسب على الكفر والإيمان كالرجل تماما؟ التساؤل الآخر هو عندما كنت أقرأ في تفسير بعض الآيات وجدت الكثير من الأحاديث التي تقدح في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الأقوال العجيبة كالقول أن الرسول تزوج السيدة زينب بدون ولي وشهود، وبعض المشككين يقولون أن النبي دخل عليها قبل نزول الآيات ثم نزلت الآيات لتبرير ذلك، وعندما أقرأ الحديث الخاص ببعث الرسول صلي الله عليه وسلم زيد لزينب ليبشرها بزواجه منها لا أفهمه علي الوجه الصحيح فأرجو التوضيح لي، وقد لجأت إلي موقعكم عندما وجدت المواقع الأخرى كلها تجعل المرأة في مرتبة العبد للرجل تقريبا وخاصة الزوج مما جعلني أتساءل عن سبب خلق الله للمرأة بما لديها من شعور بالكرامة والعزة إذا كانت مكانتها هكذا حقا؟ وقد فقدت جزءا كبيرا من ثقتي بنفسي وذكائي وكرهت الزواج لما يترتب عليه من ذل، وقد كان موقعكم الوحيد الذي أعاد لي بعض ثقتي بنفسي وأكد لي أنه ليس كل الأحاديث صحيحة وأن الشك في صحة الحديث لورود بعض الألفاظ التي لا تليق بالرسول أو المخالفة للقرآن ليس كفر وضلال كما تؤكد المواقع الأخرى وتشعرني بالذنب والخوف.
الجواب:
لا شك أن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة التي نسبت إلى دين الله تعالى زوروا ومتعلقة بالمرأة بشكل خاص.
مسألة شهادة المرأة
المشهور من أقوال المذاهب، أن شهادتها على النصف من شهادة الرجل، وأن شهادتها لا تقبل في الحدود والقصاص، ولو نظرنا إلى كتاب الله تعالى سنجد أنه يقول شيئا آخر.
الآية الوحيدة التي جعلت شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل هي آية الدين، لكن الآية لم تورد الحكم كشرط لقبول الشهادة بل أعطت الصورة المثلى لقبولها، يقول الله تعالى:
﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ [البقرة: 282]
وكلمتا أقسط وأقوم تدلان على الصورة المثلى لقبول الشهادة، وهذا لا يمنع من قبول ما هو أدنى درجة منها، بمعنى أن شهادة المرأة مقبولة كشهادة الرجل مع كون شهادة الرجل أقوم في مسألة الديون والحقوق المالية، والسبب هو أن النساء عادة لا يدخلن عالم التجارة والديون، ومن الطبيعي أن يكون الرجل أصلح للشهادة في تلك المسائل، كما تكون شهادة المرأة أقوم في مسائل تطلع عليها النساء غالبا.
فالملاحظ في هذه المسألة هو تحري الدقة في الشهادة، ولا علاقة لهذا الحكم بمسألة تفضيل جنس على جنس، ذلك أن التفضيل لا يكون للجنس أبدا وإنما للتقوى والعمل الصالح، يقول الله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]
أما عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والقصاص فليس عليه دليل من كتاب الله تعالى ولا حتى إشارة من دليل، كما أنه لا يوجد رواية صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤيد ما ذهبوا إليه، وربما اعتمد البعض على أدلة نسجتها مخيلاتهم وزعموا أنها أدلة عقلية، وقد ادعى البعض بأن السنة أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود والدماء لكن دون أن يأتي بدليل صحيح يؤيد ما ذهب إليه.
والحق أنه لا فرق في الشهادة بين الرجل والمرأة في الحدود والدماء[1]، لأن الأصل أن تكون شهادة الرجل والمرأة على السواء، لكن قد تفضل شهادة الرجل في المسائل التي يطلع عليها الرجال غالبا، كما تفضل المرأة الرجل في الشهادة في المسائل التي تطلع عليها النساء غالبا.
نقصان عقل ودين المرأة
ينسب إلى نبينا الكريم خطابا لمجموعة من النساء وذكر فيه “أن النساء ناقصات عقل ودين”[2]
هذه الرواية لا تتفق مع القرآن من أي وجه، كما أنها لا تتوافق مع خلق النبي ورقيه في التكلم مع الآخرين:
فالخطاب بـ “ناقصات العقل والدين”. لا يتوافق مع لطف النبي صلى الله عليه وسلم وأدبه في الكلام[3] الذي شهد له ربه بقوله:
«فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (سورة آل عمران، 3 / 159).
اختصاص الرجال بالنبوة
أما اختصاص الرجال بالنبوة فلأنها وظيفة صعبة وشاقة؛ فهي تقتضي مجادلة الناس لا سيما المتجبرين منهم ومواجهة الناس بالحق والاحتكاك الدائم معهم لا سيما الرجال منهم وإمامة المؤمنين وقيادتهم وربما جهاد العدو معهم، وهذه المهام لا تتناسب مع طبيعة المرأة التي تتصف بالرقة وتميل للوداعة:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: 36]
فتكليفها بالنبوة سيكون تكليفا فوق الوسع، والله تعالى العليم بما خلق لا يكلف نفسا إلا وسعها. قال الله تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 109]
الروايات التي تسيء لمقام النبوة
وصف الله تعالى نبيه الكريم بما يلي:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]
وهذه الشهادة من ربه تجعلنا نرد كل رواية نسبت إليه ولا تتناسب مع عظيم خلقه، فكثير من الروايات قد افتراها المجرمون للإساءة لمقام النبوة بطريقة احترافية غير مباشرة، وقد تسرب جزء منها لكتب الحديث المعتبرة عند المسلمين باختلاف طوائفهم ومذاهبهم.
والمسلم الحق هو الذي يخضع كل رواية لميزان الكتاب فلا يأخذ بالرواية إلا إن كانت متوافقة مع نصوصه وأحكامه ومقاصده[4] ويتوقف عما سوى ذلك.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد وأن يوفقنا لفهم كتابه والعمل بمقتضاه، إنه سميع مجيب.
*وللمزيد حول هذا الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:
(الرد على بعض الإشكاليات المتعلقة بنظرة الإسلام للمرأة) https://www.hablullah.com/?p=6713
(الرد على بعض الشبهات المتعلقة بتمييز الرجال على النساء https://www.hablullah.com/?p=6275
(الشك في عدل الله بأن ميَّز الرجال على النساء في التكليف والجزاء) https://www.hablullah.com/?p=5976
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقالة عبد العزيز بايندر (شهادة المرأة) https://www.hablullah.com/?p=1461
[2] صحيح البخاري، باب ترك الحائض الصوم، رقم الحديث 304
[3] انظر مقالة عبد العزيز بايندر (المرأة بين القرآن وبين المفاهيم التي تجعلها أقل مرتبة من الرجل) https://www.hablullah.com/?p=2097
[4] انظر مقالة جمال نجم (متى تكون الرواية عن النبي حجة ملزمة) https://www.hablullah.com/?p=5191