السؤال:
أثق بموقعكم كثيرا و أقرأ أغلب فتاويكم، ولكني قرأت فتوى استعجبت لها كثيرا وهي أنه حين يريد الزوج الزواج بأخرى فلا يجب عليه أن يعلم زوجته الأولى! وأن هذا ليس من الدين في شيء، فكيف هذا!
أليس من حقها أن ترفض أن تعيش وفقا لهذا النظام أو ترفض هذا و تقرر خلع زوجها كي لا تتأذى؟
كيف تشجعون الرجال في سلبها هذا الحق؟ وأنتم تقولون أنه من حق الزوج لكن من حقها أيضا أن تقبل أو ترفض، أليس كذلك؟
فكيف يتزوج سرا و يفعل ما يحلو له و هي شريكته في الحياة ولا تعلم بمثل هذا القرار ؟!
هل كان الرسول إذا أراد الزواج بأخرى يتزوج سرا ولا يُعلم زوجاته و يتزوج بالخفاء ؟!
عندما أراد عليٌّ الزواج بأخرى ألم يذهب ليخبر النبي حيث رفض ذلك لضرر ابنته فاطمة؟
وددت تفسيرا لهذا، فابنة النبي رفضت أن يتزوج زوجها بأخرى، يعني من حقها أن ترفض، فكيف ترفض أو تقبل و يحدث هذا من وراء ظهرها! أهذا هو الحق؟.
الجواب:
نشكركم على ثقتكم في موقعنا ولا حرج عليكم في طرح الأسئلة وتوجيه الملاحظات لنا وتصحيح الخطأ إن وجد:
﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي، وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ (سبأ 50)
جعلنا الله وإياكم من:
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ، وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر 18)
أما بالنسبة لمسألة إعلام الزوجة عند الرغبة في التعدد فإن الأصل في الزواج وجميع العلاقات بشكل عام أن تبنى على الصدق والوضوح، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة 119)
وخاصة في أمور الزواج التي يترتب عليها نسب وذمة وميراث وصلة أرحام.
والصدق عند التعدد لا يجب فقط حيال الزوجة الأولى فهناك بعض الرجال من يخفي زواجه الأول عن الثانية كذلك.
والفتوى الواردة لم تبح للرجل أن يكذب على زوجته وإنما كانت فتوى مختصرة في الرد على مسألة محددة ألا وهي: (ضرورة إعلام الزوجة كشرط للتعدد ولصحة عقد الزواج) بمعنى أن عقد الزواج لا يبطل لأن الزوج لم يخبر زوجته الأولى، وذلك لأن شروط صحة عقد الزواج من الولي والشاهدين ليس من بينها شرط إخبار الزوجة الأولى.
وعلى هذا فالعقد صحيح مع إثم الزوج؛ لأنه غالبًا لن يستطيع العدل بينهما وستبقى إحداهما كالمعلقة وسيقع تحت النهي في قوله تعالى:
﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ، فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ، وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (النساء 129)
كما أنه سيباعد بين الإخوة إن أنجب، بالإضافة إلى احتمالية ضياع بعض حقوق الزوجات والأبناء في الميراث وخاصة المتأخرين منهم.
ولذلك فينبغي للرجل أن يخبر زوجته برغبته في التعدد بصرف النظر عن صحة عقد زواجه من عدمه، وللزوجة كامل الحق في أن تبقى أو تفارق إذا شعرت بالضرر سواء كان نفسيا أو ماديا، وهذا حقها الذي منحها الله تعالى لها فقد ترك لها حرية الاختيار ولم يجبرها على شيء قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (النساء 130)
وحتى لو صدقت الرواية التي تقول أن عليًا أراد الزواج على ابنة النبي وأنه تم الرفض من قبل النبي وابنته فإنها لا تُعد حجة أو دليلًا على جواز تكرار تلك الحالة أو عكسها.
بمعنى أنه حتى لو كان النبي وابنته قد قبِلا التعدد فهذا لا يُجبر بقية النساء على قبول التعدد، فلكل امرأة الحق في قبول أو رفض ما لا يناسبها حتى ولو ناسب غيرها.
وهذا الحق مُنح لأزواج النبي الكريم نفسه على الرغم من أنه رسول الله وخاتم النبيين إلا أنه سبحانه وتعالى خيَّر نساءه وأعطى لهن الحرية في البقاء كزوجات للنبي أو طلب الفراق دون أن يسبلهن حقهن المادي ، قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ (الأحزاب 28)
وذلك لأن التعدد لا يتوقف فقط على معرفة الزوجة من عدمه وإنما يترتب عليه حقوق وواجبات أخرى كالعدل في المبيت والإنفاق، فإن استطاع أن يعدل في الإنفاق دون علم الزوجة الأولى، فكيف له العدل في المبيت بغير علمها؟!
ولكن تجدر الإشارة إلى أن هناك أمورًا تركها الله تعالى لنا كنوع من عدم التضيق على عباده ومنها عدم اشتراط معرفة الزوجة بالتعدد لأنه ليس كل الحالات متشابهة:
- فهناك زواج يجب إخبار الزوجة الأولى به لتقصيره في المبيت أو النفقة أو الإنجاب أو حتى إلحاق الضرر بها أو بأولادها.
- وهناك زواج إن علمت به الزوجة أدى إلى وقوع الضرر بها وببيتها وأولادها، كأن يضطر الرجل بالزواج من أرملة لرعاية أيتامها، وكالزواج الضروري بأن يكون الرجل مسافرًا ولا يستطيع أن يحضر زوجته معه ويتعرض للفتن ويريد أن يستعفف بالزواج، وغيرها من الحالات التي تندرج تحت الضرورات التي لا يترتب عليها ضياع حق الزوجة الأولى والأبناء أو قطع صلة الرحم أو التعدي على حدود الله، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ البقرة (173)