السؤال:
كنت أقرأ في تفسير بعض الآيات على موقع (إسلام ويب) وقرأت تفسير الآية التالية في المكتبة الإسلامية على الموقع:
“ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها” (الرّوم 21).
وقد وجدت التفسير سيئا للغاية جعلني على وشك أن أكره نفسي وزاد من إحساسي بالظلم في ديني.
والتفسير كالآتي:
“المسألة الأولى : قوله : ( خلق لكم ) دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع ، كما قال تعالى : ( خلق لكم ما في الأرض ) [البقرة : 29 ] وهذا يقتضي أن لا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف ، فنقول : خلق النساء من النعم علينا، وخلقهن لنا وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا، وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى ، أما النقل فهذا وغيره ، وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها، وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي ، لكن الصبي لم يكلف فكان يناسب أن لا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت تتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد” انتهى من تفسير الرازي.
فهل هذا تفسير ينشر على موقع كبير كإسلام ويب وكأول تفسير للآية؟
هل يريدون أن يفتن الناس في دينهم وأن يكرهوا دينهم وخلقتهم؟
وهل هذا التفسير هو وجهة نظرهم حقا عن المرأة وعن خلقها وسبب وجودها في الحياة؟
وهل الإسلام ينظر إلى المرأة بهذه الطريقة حقا؟
ولماذا غالبية السلف ينظر إلى المرأة نظرة دونية والكثير من الأحاديث الصحيحة والتفاسير للقرآن تؤكد هذه النظرة؟
وهل هذا التفسير هو الصحيح؟
وهل المرأة خلقت حقا من أجل الرجل فقط وهو ما تدل عليه جملة (خلق لكم) في الآية الكريمة؟
أرجو منكم توضيح المعنى الصحيح للآية ولهذه الجملة خاصة، وأرجو منكم الدعاء لي بالثبات والهداية فأنا في أمس الحاجة إليهما.
الجواب:
في البداية ندعوا الله سبحانه لنا ولكم بالثبات على كتابه وما نزل من الحق، ويجب توضيح أمر هام ألا وهو:
أنه عندما يلتبس على القارئ معنى آية فعليه أن يعود للبيان من المبين نفسه لا من غيره، ذلك أن الصانع أدرى بما صنع، والخالق أعلم بمن خلق، والمبين للآيات هنا هو منزلها الذي أوجب على نفسه بيانها، قَالَ جَلَّ في عُلاه:
﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة 18-19)
ومن هنا فإنه لا ينبغي تفسير الآية إلا من خلال الآيات المتشابهة معها وليس من خلال الروايات والتفاسير التي ما أنزل الله بها من سلطان، تلك التفاسير التي تقدست على مر السنين وأصبح أغلب الناس ينظر إلى كتاب الله من خلالها بالرغم من أنها كثيرا ما تسيء لكتاب الله تعالى بل إلى عدله ورحمته سبحانه.
وعلى الباحث أن يُعمل عقله وألا يصدق كل ما يُقال له أو يقرأه، وأن لا يغتر بكثرة المتبنين للرأي الخطأ ولا بالأسماء المشهورة التي يُنسب إليها، قَالَ اللَّهُ تعالى:
﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة 100).
إن كلمة زوج في كتاب الله تعالى تُطلق على الذكر والأنثى على حد سواء: ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾ (النبأ 8)
ولم تستعمل كلمة (زوجة) في كتاب الله تعالى للدلالة على المرأة، وإنما الأصح لغويًا أن تطلق كلمة (زوج) لتعني كليهما، لأن كلا منهما زوج للآخر، وسياق الآية هو الذي يحدد من المقصود فيها الذكر أم الأنثى.
قَالَ جَلَّ في عُلاه:
﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ (البقرة 35)
ولم يقل (زوجتك)
وقال تعالى عن امرأة نبيه زكريا:
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ (الأنبياء 90)
ولم يقل (زوجته)
وكذلك جاء الخطاب لنبينا الكريم:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ…﴾ (الأحزاب 59)
ولم يقل (لزوجاتك).
ومن هنا فإن قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرّوم 21) خطاب موجه للزوجين على حد سواء، فالضمير في (لكم) هنا لا يختص بالذكور فحسب، بل للزوجين الذكر والأنثى، فلم يقل تعالى (خلق لكم من أنفسكم زوجات) وإنما قال (أزواجًا) فالرجل زوج والمرأة زوج وكلاهما زوج، والجمع أزواج، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ﴾ (النجم 45).
والأمور المذكورة في الآية الكريمة عن الزواج من السكنى والمودة والرحمة هي حق ومطلب لكليهما، فكلاهما يحتاج للآخر ولا يستطيع أن يعيش أحدهما بدون الآخر، فقد خلق الله تعالى الذكر والأنثى من نفس مادة الخلق كي يسكنا إلى بعضهما[1].
وإذا تلونا كل الآيات التي تتحدث عن (خلق لكم) أو (جعل لكم) فعلينا أن نسأل أنفسنا من المخاطبين في هذه الآيات؟
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ (البقرة 22).
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (غافر 79).
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ (الأنعام 97).
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ (يونس 67)
﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ (الملك 23)
فهل جعل الله تعالى الأرض والسماء والأنعام والنجوم والليل والنهار والسمع والبصر والفؤاد للذكور من دون الإناث؟!
هل الآيات موجهة إلى الرجال خاصة؟!
يجيب علينا سبحانه:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ..﴾ (البقرة 29)
فمن المخاطب هنا؟!
أليست الإناث داخلة في عموم الإنس الذين خلقهم الله تعالى لعبادته؟!
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات 56)
أم أن الاثنين قد خلقا ليكونا عونًا لبعضهما على عبادته سبحانه الذي كرمهم على جميع خلقه وسخر لهم ما في الأرض:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (الإسراء 70)
أم أنه قد خرجت الإناث من بني آدم واختص الذكور بهذه البنوة؟!
وإن كانت النساء لم تكلف بتكاليف مثل الرجل كما يدَّعون فما فائدة الآيات التي تتحدث عنها وتساوي بينهما في العمل والجزاء؟! هل جاءت في القرآن على سبيل العبث أو السهو والنسيان؟! ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.
ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
قوله سُبْحَانَهُ:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ (آل عمران 195)
فما معنى بعضكم من بعض؟! هل تعني تفضيل أحدهما على الآخر؟!
يجيب علينا سبحانه وتعالى بقوله:
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ (النساء 124)
وبقوله:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل 97).
وقوله:
﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (غافر 40).
وختامًا:
فإن الله تعالى هو الحكم العدل، فكيف يفرق بين عباده وهو الذي أمرنا به:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل 90)
ولا يجب الالتفات لتلك الأقاويل التي تفتري الكذب على الله تعالى وعلى رسوله كمن قيل فيهم:
﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة 75).
فالله سبحانه قد ساوى بين خلقه، والمقياس الوحيد الذي يفرق بين العباد والميزان الذي عليه التكريم هو التقوى كما أخبرنا العليم الخبير:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقالة عبد العزيز بايندر (آدم وحواء) https://www.hablullah.com/?p=3015