مسألة السجود لآدم، وتفضيل الله تعالى بعض النبيين على بعض، والمنع من التفريق بينهم

السؤال:

عند قراءه سورة البقرة نجد أن الله تعالى طلب من إبليس السجود لآدم، فأبى واستكبر، و لكن الله تعالى عاقبه هذا العقاب الشديد وهو الطرد من رحمته تعالى، وقد قلت في نفسي أن ابليس قد شعر بالغيرة وهذا أمر طبيعي، فالأمر بالسجود لغير الله أمر مهين فعلا، فلماذا عاقبه الله هذا العقاب و لماذا لم توجد مساواة بين الجميع ….

وأيضا أُمرت المرأة في الأحاديث بالسجود للرجل و تعظيمه، فهل إذا شعرت الزوجة بعدم الرغبة في تقديس زوجها سيتهمها الله بالكبر و يطردها من رحمته كما فعل مع إبليس؟

حتى الأنبياء فضل الله تعالى بعضهم على بعضهم فلماذا التفرقة بين أصحاب النوع الواحد هو المنهج السائد وأن من يشعر بالغضب من هذه التفرقة هو من يُتهم ؟

أعرف أنه سؤال غريب و لكن طالما تساءلت لماذا لا توجد مساواة حتى لا يحزن أي طرف و يبقى المعيار هو العمل الصالح، فلماذا توجد تفرقة مسبقة؟

الجواب:

السؤال ليس غريبًا والعقل البشري لا يتوقف عن التفكير وخاصة إن كان قارئًا لكتاب الله تعالى، والسؤال هو أول خطوات العلم واليقين بشرط ألا يترك الإنسان فرصة لأن يُدخل الشيطانُ الشكَّ في عدل الله تعالى ورحمته بخلقه جميعًا. قَالَ اللَّهُ تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل 90).

وإن صعب على شخص إدراك الحكمة من مسألة ما فعليه أن يبحث ويدعو ربه أن يؤتيه الحكمة ويلهمه الفهم، ثم يكون على يقين أن هناك حكمة من وراء كل حدث في كتاب الله تعالى حتى وإن لم يدركها، لأنه سبحانه:

﴿لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ‌الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100]

والمسلم يتتبع الحكمة ويسأل عنها لمعرفتها، لكنه لا يسأل اعتراضا، لأنه سبحانه:

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (الأنبياء 23)

فلسنا أفضل من الملائكة وهم المقربون من رب العالمين، وعندما عجزوا عن إدراك شيء:

﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة 32)

ولكن السؤال يحتوي على عدة محاور ملتبسة على السائلة يجب بيانها:

• هل إبليس هو من نفس نوع آدم على حد تعبير السائلة؟! وما وجه تفضيل آدم ﷺ عليه؟ وهل عاقبه الله تعالى كل هذا العقاب بسبب رفضه السجود لآدم فقط؟!
• ومن أين جاء هذا المنهج السائد الذي يفرق بين أصحاب النوع الواحد؟!
• ماذا يعني السجود في كتاب الله تعالى؟ هل يعني فقط وضع الجبهة على الأرض كما نفعل في الصلاة؟!
• هل توجد آية واحدة تأمر المرأة أن تسجد لزوجها أو تقدسه كي لا تطرد من رحمة ربها؟!
• ما معنى التفضيل في كتاب الله تعالى؟ وكيف فضّل الله تعالى الرسل على بعضهم؟ وهل فرق بينهم؟!

وكيف يفرق هو سبحانه بينهم ثم يأمرنا بعدم التفريق بينهم؟! ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ (البقرة 285)

إبليس لم يخلق من مادة خلق أبينا آدم ﷺ وبالتالي لا يوجد وجه للمقارنة بأن الله تعالى فضله عليه.

أما بالنسبة لمسألة أمره تعالى بالسجود لآدم فقد بين سبحانه أسبابه في كتابه عندما قال:

﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (ص 74)

فالمتدبر للآيات الكريمة يدرك أن أمر الله تعالى بالسجود لأدم كان من قبل أن يخلقه، ولم يتم السجود بمجرد الخلق وإنما اشترط بتسويته ونفخ الروح فيه.

فبعد مرور آدم بمرحلة الخلق، والملائكة والجن يشهدون تطور خلقه وعجائب قدرته سبحانه ودقة وبديع صنعه في خلق بشرٍ يتحول من تراب إلى طين إلى حمأ مسنون إلى صلصال كالفخار ثم يتحول هذا الصلصال إلى بشر من لحم ودم وعظم وسمع وبصر وفؤاد وكل ما تميز به آدم ﷺ ، وهنا تكمن الحكمة من أمره تعالى بالسجود.

إذ لم يُطلب السجود لذات آدم كمخلوق، فيكون سجود مخلوق لمخلوق وتمييز أحدهما على آخر والتفريق بينهم.

وإنما السجود هنا كان تعظيمًا لخلق الله تعالى الذي خلق بشرًا بيديه بكل مقومات البشرية من هذا الطين ويتبين ذلك عندما وجه الله تعالى الخطاب لإبليس فلم يقل له (ما منعك أن تسجد لآدم) وإنما ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ (ص 71: 73)

وفي آية أخرى:

﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ ‌أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: 12]

الأمر لم يكن لإبليس خاصة وإنما كان للملائكة أجمعين، وقد سجد الملائكة استسلامًا وطاعة لرب العالمين: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ (ص 74)

وقد اغتر إبليس بنفسه وأراد أن يعلي قيمة الخَلق على قيمة الروح والعلم وشعر أنه كان أولى بتلك المكانة التي منحها الله تعالى لآدم بزعم أنه أفضل منه في مادة الخلق: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (ص 76)

ولنا في واقع الحياة أمثال إبليس من الناس فهناك من يغتر بنسبه أو ماله أو شهرته ويتكبر على غيره ويحسب نفسه أعلى وأعظم قيمة من صاحب علم أو خلق ودين.

وإن كانت تلك مقاييس كثير من الناس فميزان رب العالمين هو الروح بكل معانيها قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة 11)

﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر 9).

لقد كان امتناع إبليس عن السجود لآدم عصيانا لله تعالى واستكبارا عن أمره وليس عصيانا لآدم، لأن الآمر هو الله تعالى، وفي الوقت نفسه لم يتب عن ذنبه بل أصر عليه، ولو تاب لقبل الله تعالى توبته بدليل أنه سبحانه قد منحه الفرصة حتى بعد استكباره واستجاب لطلبه: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (ص 79)

فكان الرد من رب العالمين: ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (ص 81)

ومع ذلك عاد إبليس فوضع نفسه في تحدٍ مع ربه وأقسم أن يغوي آدم وذريته: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (ص 82).

وبالفعل قد نحج وغوى آدم وزوجه وعصيا ربهما فأخرجهما من الجنة.

ولكن الفرق بين معصية إبليس وآدم أن الأول أصر على ذنبه والثاني اعترف بذنبه وتاب وأناب إلى ربه.

ثم نأتي للسؤال التالي:

ما معنى السجود نفسه؟ وما كيفيته؟

فالسجود يعني الانحناء، ولا يشترط فيه وضع الجبهة على الأرض، والدليل نجده في قوله تعالى:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ (النحل 48)

فكيف تسجد الظلال؟

وقَالَ جَلَّ في عُلاه عند الخوف من فوات الصلاة أن يصلي المؤمن مترجلًا (أي ماشيًا) أو راكبًا:

 ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا، فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة 239)

فكيف للمترجل وللراكب أن يسجدا وهما في حالة الترجل أو الركوب؟!

إذًا فالسجود قد جاء بمعنى الإيماء أو الانحناء وليس بالضرورة وضع الجبهة على الأرض .

فالسجود في كتاب الله تعالى إما السجود استسلامًا وخضوعًا، وإما السجود تعظيمًا، وإما السجود تعبدًا.

• فسجود التعظيم بمعنى الانحناء كالذي فعلته الملائكة لآدم ﷺ.

ومنه السجود بالانحناء تعظيمًا وتقديرًا لمنزلة إنسان من مثله كما حدث مع إخوة نبي الله يوسف:

﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (يوسف 100)

فالسجود هنا كان تقديرًا لمكانة يوسف ﷺ وعفوه عن إخوته بعد ظلمهم له، وكذلك كان شكرًا لله تعالى لأنه غلب على أمره ونجى يوسف ورد كيد إخوته وحقق رؤيته وقر أعين أبويه وجعله أمينًا على خزائن الأرض.

• وسجود الخضوع والتسليم لآيات الله تعالى التي هي كلماته وتعاليمه وأوامره قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (السجدة 15)

فنحن لا نسجد لأوراق المصحف وحبره وخطه ولكن السجود لها هو الاستسلام والخضوع لتعاليمها.

وهذا هو حال المؤمنين في كل زمان ومكان ومع جميع النبيين:

﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا، إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ (مريم 58)

فهؤلاء لا يسجدون لكتب الله تعالى بأن يضعوها أمامهم ويسجدون لها وإنما بالاستسلام لما جاء فيها.

• وسجود التعبد يكون بالصورة التي يفعلها المؤمن في صلاته:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج 77)

وحتى هذا الشكل قد يكتفى فيه بالانحناء كما في المترجل والراكب أو حتى بالإيماء أو حتى بالقلب في حالة المرضى وأصحاب الإعاقة.

أما بالنسبة لمسألة تقديس المرأة لزوجها والروايات التي تدعي ذلك فهي من الافتراءات التي ينطبق عليها حكم الجاهلية، فهؤلاء ينظرون للمرأة نظرة دونية فأنقصوها العقل والدين وجعلوها أكثر أهل النار وأخضعوها لزوجها خضوع الذل والعبودية،

وقد أمروا أن يحكموا بما أنزل الله وأن لا يتبعوا حكم الجاهلية قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ (المائدة 49)

ولكنهم أبوا وكذبوا بكلام ربهم وتقولوا على رسوله بما لم ينطق ورضوا بحكم الجاهلية كمن قيل فيهم:

﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة 50)

وإذا جئنا لتفضيل الرسل على بعضهم علينا أولًا أن ندرك معنى التفضيل من خلال كتاب الله تعالى الذي يعني تفضله سبحانه على خلقه وتأييده لرسله بالآيات (المعجزات) التي تبين صدق دعوتهم.

فالتفضيل باللغة المعاصرة يكون على أساس المهارات والمميزات أو السلطات التي تفرق بين شخص عن الآخر؛ فالطبيب أوتي من العلم ما لم يؤت للمهندس والأخير أوتي ما لم يؤت لعالم الفلك وهذا قد أوتي من العلم ما لم يؤت للزارع والأخير أوتي ما لم يؤت لغيره إلخ.. وهذا الاختلاف في الفضل ما يجعل شخصًا مناسبًا للعمل في مجال عن آخر أو مؤهلا للقيام بمهمة عن غيره، وكذلك يخلق التنوع في اختلاف المواهب والقدرات ليحتاج كل منا إلى الآخر كما قال تعالى:

﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا، وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (الزخرف 32).

والتفضيل لا يعني محبة رسول على حساب آخر، وإنما إعطاء كل رسول من الآيات والبراهين والقدرات ما يعينه على دعوة قومه وأهل عصره، وبالتأكيد كانت حصة الأنبياء متفاوتة بحسب حاجة كل منهم. أما التفريق فيعني أن يعطي واحدًا ويحرم الآخر، وقد أمرنا الله تعالى بعدم التفريق بين رسله، فكيف يأمرنا بعدم التفرقة بينهم وهو سبحانه وتعالى يفرق بينهم؟!

والقرآن الكريم قد بين لنا أوجه التفضيل بين الرسل في قوله تَعَالَىٰ:

﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ، وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ (البقرة 253)

فالتفضيل هنا في منح الآيات فنجد نبي الله موسى ﷺ قد كلمه ربه دون غيره من الرسل وأيده بكثير من الآيات، وقد ورد اسمه في القرآن أكثر من كل الأنبياء، وذلك ليس لأنه يحبه أكثر منهم وإنما لأنه قد وجد في زمن فرعون الذي أدعى الألوهية وكان قومه أكثر الناس جدالًا فأيده تعالى بآيات كثيرة جعلت السحرة أنفسهم يؤمنون برب العالمين.

وفضل رسوله عيسى ﷺ بروح القدس والتكلم في المهد، واتخذ الله تعالى إبراهيم ﷺ خليلا.

وكما فضّل الله تعالى الرسل على بعض فضّل كذلك الرجل والمرأة، بأن منح كلا منهما صفات وميزات لم يعطها للآخر؛ فمنح الرجل القوة البدنية التي تؤهله للعمل والشقاء ومنح المرأة الزينة والرقة، وأمر كليهما ألا ينظر إلى ما فُضل به الآخر، بقوله سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء 32)

فالخطاب موجه لكليهما ولم يخص الرجال بالفضل دون النساء.

وختامًا:

لا توجد عند الله تعالى تفرقة مسبقة بين عباده، ومكانة العبد عند ربه يحددها العبد نفسه من خلال إيمانه وثقته بربه وعمله الصالح ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الحديد 21)

فهو سبحانه خالقنا جميعًا حتى إبليس لم يخلقه الله تعالى ليعذبه:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ، وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ (النساء 147)

وإنما كان الاستكبار والكفر اختياره وهو يعترف بذلك صراحة:

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ، إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (إبراهيم 22)

فالمعيار الوحيد الذي يفرق بين مخلوق وآخر سواء من الإنس أو الجن هو التقوى كما نبأنا العليم الخبير:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله https://www.hablullah.com/

الباحثة: شيماء أبو زيد