السؤال:
ما هو الحل السليم الشرعي لتعرض المرأة للتعنيف أو الضرب من طرف زوجها؟
هل ترد الضرب بالضرب للحفاظ على كرامتها أم ماذا؟
هل يحق لها أن تدافع عن نفسها وأن ترد الإهانة بإهانة؟
هل يحرم عليها أن تدافع عن نفسها لأن هناك شيوخا استشهدوا برواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم تفيد بأن زوجا لطم زوجته على وجهها فذهبت إلى النبي و ذهب معها لتضربه كما ضربها فأنزل الله آية القوامة وأنه هو يضربها أما هي فلا !؟
هل هذا هو سبب نزول الآية حقا؟ وهل هذه الرواية صحيحة؟
ماذا تفعل الزوجة عندما يضربها زوجها؟ وشكرا لكم.
الجواب:
ذكرنا في موقعنا ما المقصود من قوله تعالى (واضربوهن)[1] وأنها لا تعني الإيذاء البدني، وأن الله تعالى لم يسلط أحدًا على أحد من خلقه.
الاعتداء الذي يتعرض له الإنسان له صور كثيرة، ولكل واحدة منها الأسلوب الأمثل في التعامل معها، والأذى أو الضرر الذي يتعرض له الإنسان قد يكون من الأقربين وقد يكون من غيرهم.
التصرف تجاه الأذى أو الضرر الواقع من ذوي القربى
- فإن كان الضرر من ذوي القربي كالوالدين أو الأبناء أو الإخوة أو الزوج فالأولى بالمسلم أن يتحمل الأذى بقدر استطاعته:
﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ، إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (لقمان 17)
وأن يدفع عن نفسه بالتي هي أحسن، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]
﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ (المؤمنون 96).
وقد يكون الهجر حلا مرحليا عملا بوصية الله سبحانه لرسوله:
﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزّمّل 10).
ولنا في رسولنا وجميع رسل الله تعالى الأسوة الحسنة في صبرهم على الأقربين كخليل الرحمن مع أبيه الذي شارك في إلقائه في النار، وكنبي الله يوسف مع إخوته حيث ألقوه في الجب ثم عفا عنهم، وكذلك رسولنا في صبره على أذى قومه.
وينبغي التذكير بأن الزوجين هما نواة الأسرة وكل ما يفعلانه سوف يُغرس في أولادهما حيث يقع عليهما أن ينبتاهم نباتا حسنا ولا ينشئانهم على الظلم والعدوان والقسوة وعدم احترام الأم وإذلالها.
فإن بغى الرجل على زوجته وأهانها وضربها فقد خالف أمر ربه وأصبح جبارًا بدلًا من أن يكون قوامًا عليها، وإن ردت الزوجة الضرب والإهانة بالمثل فسوف تفقد أهم ما يميزها من العطف والرقة والحنو، تلك الصفات التي أودعها الله سبحانه في قلبها وفرق بها بينها وبين الذكر بقوله تَعَالَىٰ:
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ﴾ (آل عمران 36)
فلا ينبغي للرجل أن يبادر زوجته بالإيذاء البدني أو اللفظي، كما لا ينبغي للزوجة أن تفعل ذلك ولو من باب الرد، وما ينبغي للزوجة هو أن تقرر ما عليها فعله تجاه سلوك زوجها العنيف:
- فإن كان الضرب هو عادة الزوج والعنف هو سبيله في التعامل، فليس عليها تقبل الأمر، ولها أن تطلب الفراق إن لم يتوقف عن أفعاله حفاظًا على إنسانيتها وكرامتها وحماية لأولادها من التنشئة في بيت يخيم عليه الظلم بدلًا من السكينة والمودة والرحمة التي جعلها الله تعالى بين الزوجين. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (النساء 130)
ولا يجب عليها أن ترد الضرب بالضرب لأن ذلك سيزيد المشكلة سوءا وقد يتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.
وهذا لا يمنع أن تدافع المرأة عن نفسها وتدفعه عنها بكل قوتها إن ضربها، ولها أن تستعين بمن يساعدها برد الاعتداء عنها أو أن تلجأ إلى القضاء لرفع الظلم عنها ومعاقبة الزوج على اعتدائه عليها.
- أما إن فعلها الزوج مرة عن غضب أو ضيق صدر ولم يكن من عادته الضرب والعنف فلها أن تعفو وتصفح امتثالًا لقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ، وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التغابن 14)
والعفو والصفح والغفران ليس واجبًا فقط من جانب المرأة نحو زوجها وإنما يجب عليه كذلك نحو زوجته، بل عليه أن يتحمل أكثر لما أوتي من قوة وأن يرحم ضعفها ويقدر الأعباء الملقاة عليها من رعايتها أسرتها وبيتها، وعلى كليهما أن يتذكر الجميل الذي بينهما عند الاختلاف، كما ورد في التوجيه القرآني:
﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة 237).
وبناء على ما تقدم من آيات الكتاب فإن الرواية التي تزعم أن النبي الكريم أمر المرأة برد الضرب لزوجها لكنه امتنع بسبب نزول آية القوامة ليست صحيحة وذلك لسببين:
- أن النبي الكريم كان يحكم بما أنزل الله تعالى وهو لا ينساق للأهواء:
﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ (المائدة 49)
وهو أولى الناس باتباع الحكمة:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء 65)
تلك الحكمة التي تقتضي ألا يطلب من امرأة أن تذهب لضرب رجل لأن ذلك قد يعرضها لأذى أكبر أو عواقب وخيمة كما ذكرنا.
- وكذلك لأنه لا علاقة لرد الاعتداء والظلم بمسألة القوامة، فالقوامة لا تبيح للرجل ضرب زوجته والقسوة والاستعلاء عليها، وإن ظلم الرجل زوجته وضربها فلها الحق في طلب القصاص ولكن ليس بيدها بل بحكم الله تعالى الذي ينفذه القاضي.
الضرر والاعتداء من غير أولي القربى
وإن كان الضرر والاعتداء من غير أولي القربى فالصبر والتحمل هما الخيار الأول للمؤمن، قَالَ جَلَّ وعلا:
﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (آل عمران 186).
وإن تمادى هؤلاء في إيقاع الأذى والضرر فللمؤمن أن يرد الاعتداء بمثله إن لم يستطع الصبر أو زاد الأمر على حده بأن استضعفه الناس، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ (النحل 126).
وليس عليه ذنب في رده للاعتداء وإنما الذنب على من بدأ به وظلم الناس:
﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (التوبة 13)
﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ. أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (الشورى 43)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عبد العزيز بايندر (ضرب الزوجة) على هذا الرابط https://www.hablullah.com/?p=2945