السؤال:
السلام عليكم دكتور الفاضل:
بالنسبة إلى البنت التي كفلها رجل في بيته مع زوجته، لكونهما لم بنجبا على سبيل المثال، وعاشت معه كأب لها منذ كانت طفلة. كيف يبيح كثير من أهل العلم زواج هذا الرجل من هذه الفتاة التي طالما كانت ابنة له وكبرت على يديه؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله:
كان من مقاصد الشريعة حفظ النسل وعدم اختلاطه، لذا بيَّن لنا الله سبحانه وتعالى أن الأدعياء (المتبنَّين) ليسوا بأبناء لمن يتبنونهم:
﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ، ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ (الأحزاب 4)
ثم أمر سبحانه بأن يُنسب الولد إلى والده، مع الحرص على معاملة الأدعياء كإخوة في الدين وليس في النسب، قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الأحزاب 5)
ولا يجب أن ينجرف الإنسان وراء مشاعره وينسى أنهم ليسوا أبناءه (ولا يُقصد هنا سوء معاملتهم أو التفريق بينهم وبين الأبناء في الرعاية والمحبة والعطاء) وإنما يُقصد عدم تجاوز حدود الله تعالى في التعامل معهم كالتلامس الجسدي والإطلاع على زينتهن.
وينبغي للكافلين أن يعرِّفوا المكفولين منذ طفولتهم أنهم كإخوة لهم في الدين، كي ينشأ هؤلاء وهم مدركون لما لهم وما عليهم.
وإذا جئنا إلى زواج الرجل من كفيلته فهو شيء لم يحرمه الله تعالى في كتابه ولم يذكره ضمن المحرمات في الآية (23) من سورة النساء، فغير المذكورات في الآية الكريمة لا يحرم الزواج منهن، لقوله تعالى في الآية التي تليها مباشرة:
﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء 24).
وبالنسبة لمسألة مشاعر الرجل تجاه هذه الفتاة المكفولة فهو يشبه _إلى حد ما_ مشاعر الأخ نحو زوجة أخيه ومشاعر الأخت نحو زوج أختها، فهم قد يعيشون معًا أو يتعايشون في محيط عائلي واحد وينظر كل منهما للآخر نظرة الأخ والأخت، ولكن عندما يموت الأخ أو الأخت فإنه يحل الزواج منهما، ومثل هذا الزواج مباح وليس فرضًا.
وكذلك فإن إمكانية الزواج من هذه المكفولة أو الدعيَّة كما سماها الله تعالى في كتابه، فليس كل إنسان ربى وكفل طفلة يتيمة يريد الزواج منها وقد عاملها كابنته، بل يقع عليه أن يزوجها لمن يصلح لها كما يفعل لابنته تمامًا.
ففي هذه الحالة إن شعرت تجاهه بمشاعر الأبوة وشعر هو تجاهها بمشاعر البنوة (وهذا هو الغالب بين الناس) فينبغي له عدم الزواج منها كي لا يظلمها ويظلم نفسه وهو الذي أُمره الله تعالى بالإصلاح لها، لأن الزواج منها في هذه الحالة لا يحمد عقباه، وهو فساد نهى الله تعالى عنه:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ، قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ البقرة (220)
أما إن تغيرت مشاعرهم تجاه بعضهم البعض (وهذا شيء نادر الحدوث) بأن كان هناك توافق وكفاءة في الزواج بينهما ولم يكن هناك فرق كبير بينهما في السن وقد نمت بينهم مشاعر المودة غير الأبوية، وأراد الحفاظ عليها وتسليمها كامل حقوقها وكان الزواج بكامل إرادتها وحريتها فلا مانع من هذا الزواج شرعا.
ولكن إذا رغب الرجل في الزواج منها طمعًا في صغر سنها أو ظلمًا لها بأن لا يعطيها حقها في المهر والصداق أو حتى جبرًا لها – لأنه يعلم أنها لا تستطيع رفضه استحياء منه – وكأنه يريد منها مقابل رعايته وتربتيه لها والإنفاق عليها فعند ذلك يقع فيما حرم الله تعالى. يقول سبحانه:
﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ (النساء 127)
فقد بينت الآية الكريمة وجوب القيام لهن بالقسط وعدم الزواج منهن بغرض استغلالهن وأكل حقوقهن.
وقد أحل الله تعالى له غيرها من النساء بمجرد الخوف من عدم القسط (والقسط هنا يشمل كل النواحي المادية والمعنوية) فقال تعالى:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ (النساء 3)
