السؤال:
متى جمعت السيرة النبوية؟
وهل يشترط أن كل ما ذكر في السيرة صحيح ومسلّم به؟
و كيف يثبت لي أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالفعل بين إحدى عشرة امرأة وكان تزوج قبلها بخديجة، وأنه قعد على ٧ أخريات غيرهن ولكن لم يدخل بهن، ما الدليل على كل هذا؟
كما أنني أيضًا أتعجب كيف لشخص أن يتزوج بإحدى عشرة زوجة في الوقت نفسه، وكيف يميل إليهن كلهن، وان أخبرتموني أنه كان يميل لعائشة رضي الله عنها وأنها الأحب إلى قلبه، أليس في هذا ظلم عندما ترددون أن الرسول قال لا تؤذوني في عائشة وأنها الأحب إليه؟
ماذا عن شعور باقي الزوجات كأنهن مجردات من المشاعر وباقيات معه لغرض ما!
الأمر أشبه بأنه إن كان للرجل أولاد ويردد أمام الجميع أن أحب أولاده فلان، فهل هذا فيه عدل أو هذا سيرضي الله تعالى؟.
الجواب:
جمعت السيرة النبوية بعد قرنين أو أكثر من وفاة صاحبها، وبالتالي دُس فيها من الأقاويل والأكاذيب والافتراءات ما أساء لنبي الرحمة وصحابته بل لرب العالمين جل جلاله ولعدله ورحمته.
ولا ينبغي أن يُصدق المؤمن كل ما يقرأ سواء من كتب السيرة أو الفقه أو غيرها من الكتب التي تؤلف باسم الشرع والدين، وعلى القارئ أن يُحكِّم عقله وأن يعرض كلَّ ما يقرأ على القرآن الكريم فإن وافقه أخذ به وإلا فلا.
ومن هذه الافتراءات المسمومة تلك التي تذكر تفاصيل حياة النبي مع أزواجه وحديثه مع نسائه للدرجة التي تحدثوا فيها عن مضجعه وفراشه الكريم بكلام ينأى القلم عن ذكره، وكان الهدف منها هو الإساءة للنبي في رجولته وتحويله من نبي وصفه ربه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم 4) إلى مجرد إنسان لا يهمه من الدنيا إلا الحصول على المتعة من النساء، وفي سبيل تحقيق ذلك افتروا عليه زواجه من طفلة في عمر أحفاده تلعب مع الصغار في غيابه، وتقوُّلوا عليه أحاديث العشق والهوى أمام صحابته، تلك الأحاديث التي لا تليق بمكانة الرجل المؤمن، فما بال رجل عظيم مجاهد ونبي صاحب رسالة للعالمين كافة:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء 107)
ونحن لا ننفي عن النبي الكريم المودة والمحبة لأزواجه أمهات المؤمنين أو لبعضهن، فهو بشر يحب ويكره وإنما ننزهه عن البوح بذلك كما نقلته الروايات في هذا الشأن، وهو الذي كان يراعي شعورهن جميعًا ويقسو على نفسه مرضاة لهن حتى عاتبه ربه سبحانه وتعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التحريم 1)
أما بالنسبة لعدد الزوجات فالروايات مختلفة واختلافها دليل بطلانها:
﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (النساء 82)
فنحن لا نعلم عددهن ولا ينبغي لنا الخوض في تلك المسألة، ولو كان لذكر عددهن وأسمائهن فائدة ما سكت عنه القرآن الكريم الذي تحدث عن أزواج النبي في أكثر من سورة.
ولكن في الوقت نفسه إن كان النبي قد تزوج بأربعة أو أكثر فكان ذلك بأمر الله تعالى وتوجيهه؛ كأن تكون الزيجة هدفًا لإسلام أهلها أو تكريمًا ومواساة لها أو إبطالًا لعادة محرمة كزواج النبي الكريم من مطلقة زيد لإبطال عادة التنبي وما يترتب عليها من أحكام ظالمة في الجاهلية.
لم يتزوج نبينا هذا العدد رغبة في التعدد واستجابة لشهوة جامحة بل لتوجيه إلهي كان يحصل أحيانا ضد رغبته الشخصية كما في مطلقة زيد[1]:
﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ (الأحزاب 37)
وليس كما افترت الروايات المسيئة لرسولنا أنه كان راغبًا فيها قبل طلاقها لما رأى من حسنها (حاشاه) وإنما الحقيقة أنه تزوجها طاعة لربه الذي اطلع على قلبه وعلم مدى شعوره بالحرج من تلك الزيجة التي فرضها الله تعالى عليه حيث بين له أنه لا حرج عليه في ذلك:
﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ (الأحزاب 38)
ولو كان نبينا الكريم شغوفا بتعدد النساء _كما يصوره المفترون_ لفعل ذلك حال شبابه وليس حال شيخوخته، وهذا القيد يُبطل كل المزاعم التي تُثار حول تعدد زيجاته صلى الله عليه وسلم.
والخلاصة:
إن مثل تلك الافتراءات التي تعج بها كتب التراث وغيرها هي السبب الرئيسي في الإساءة لنبينا الكريم من بعض الأشخاص والمجتمعات غير المسلمة.
وينبغي للمؤمن تنزيه الأنبياء عن كل مفترى عليهم وأن يلتزم المنهج القرآني في رد الافتراء عمن عُلم عنهم الخير والصلاح لا سيما الأنبياء:
﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ (النور 12)
وأن يوقن في حكمة ربه الذي اختار رسله من أفضل خلقه:
﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (الدّخان 32)
ليكونوا مضرب المثل في خُلقهم وأفعالهم وأسوة حسنة لمن يقتدي بهم، قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (الممتحنة 6)
وكذلك عليه أن يدافع عن سيرتهم النقية العطرة من أن يلوثها كافر أو جاحد أو جاهل قد صدق تلك الأقاويل على أنها من السيرة النبوية وهو لا يدري أنه يشترك مع من افتراها في الإثم ويقع تحت اللعن المذكور في قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ (الأحزاب 57).
وإذا ذكر أزواج النبي لا يذكر أسماءهن فقط بل يقول (أمهات المؤمنين) كما علمنا ربنا بآداب الحديث عن النبي الكريم وأهل بيته الطاهرين قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ (الأحزاب 6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقالة عبد العزيز بايندر (اتباع السنة فريضة على النبيين أيضا) https://www.hablullah.com/?p=6115