السؤال:
قرأت في موقعكم أن ملك اليمين لا يجوز لمسها إلا بالزواج، وقلتم أن الأحاديث التي جاءت في إباحة مسهن غير صحيحة ومخالفة للقرآن، لقد ارتاح بالي لكلامكم لكن ما تفسير هذه الآية 23 من سورة النور:
تفسير هذه الآية في المواقع أن من الأفضل رضا ملك اليمين قبل مسها لكن إن مسها دون رضا فإن الله غفور رحيم،
فالسؤال هنا أحقا تفسيرهم صحيح؟
(إن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) فأين الرحمة في أن يغفر الله لمن يجبر مملوكته على هذا؟
وإن كان معنى لا تكرهوا فتياتكم على البغاء أي لا تجبروا بناتكم على الزواج فكيف يكون هذا صحيحا وقد قيل إن أردن تحصنا؟
وما ردكم على ما جاء في السيرة أن ابن عمر وعثمان وغيرهم كانوا يشترون الإماء ويمسوهن دون زواج؟.
الجواب:
الآية المشار إليها في السؤال هي قوله تعالى:
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 33]
وفقًا لهذه الآيات فإنه لا يمكن الاتصال الجنسي خارج إطار الزواج مع الحرة أو الأمة. لا سيما أن الآيتين السابقتين تأمران بتزويج العبيد والإماء ، وفي هذه الآية [النور: 33] يأمر الله تعالى من لا يجدون فرصة للزواج بالحفاظ على عفتهم. وبما أن الاتصال الجنسي خارج الزواج هو نقيض العفة فإن هذه الآية توضح أنه لا يمكن معاشرة الأمة إلا من خلال الزواج[1].
كما عالجت هذه الآية مشكلة كانت قائمة في صدر الإسلام، وهي وجود الرق الموروث من عهد الجاهلية، وقدمت طريقة للتخلص منه دون أن يترك آثارا سلبية على المجتمع.
لهذا شرع الإسلام مكاتبة العبد إن علم سيده أنه قادر على الكسب وإعالة نفسه إن تحرر.
والمكاتبة تعني أن يتعهد السيد بالسماح لمملوكه بالعمل والانتاج مقابل أن يتعهد العبد بإعطاء الفداء لسيده مقسطا بحسب الاتفاق بينهما، فإن أتم العبد تسديد ما عليه صار حرا.
وتزويج العبيد والإماء من الوسائل التي تفتح باب الحرية لهم، لذا أمر الله تعالى مالكهم بالسعي في تزويجهم إن ظهرت رغبتهم وصلاحهم لذلك:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور ٣٢)
وفي الآية أمر بتزويج العبيد والإماء، لأن الزواج سبيل إلى التخلص من حالة الرق، ولا خوف من ضعف حالتهم المادية؛ إذ أن الأرزاق بيد الله تعالى. وهذه الآية بحد ذاتها تنفي احتمال جواز مس الأمة دون عقد نكاح.
أما الآية محل التساؤل [النور: 33] فهي ليست خاصة بالإماء فقط، ذلك أنها موجهة لكل ولي أمر بأن لا يتعسف ويعسر أمر زواج ابنته أو من يلي أمرها ممن تريده زوجًا لها، وذلك كي لا يكرهها على عصيانه ومخالفة أمره، وقد تضطر الفتاة للهروب لتتزوج ممن تحب أو قد تقع فريسة لمن يغرر بها.
كلمة البغاء من البغي الذي هو التعدي[2]، وهو لا يقتصر على ارتكاب الزنا فحسب، ويتبين ذلك من قوله تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الأعراف 33)
وقوله تعالى ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ يخبر بأن منع السيد أمته من الزواج قد يدفعها إلى التزوج من غير إذنه، ويذكر الله تعالى أنه يغفر ذنبها إن فعلت ذلك بنية الإحصان. كما يُفهم من الآية أن منع الأب ابنته من نكاح من ترغب به يدفعها إلى البغاء عليه أي عصيانه، وربما زواجها من غير إذنه عن طريق القضاء، أو غير ذلك من الطرق المشروعة وغير المشروعة.
أما ما روي عن عمر وعثمان من أنهم كانوا يشترون الإماء ثم يمسوهن بدون عقد نكاح فهو افتراء عليهما، وهذا الافتراء ليس غريبا نظرا لحجم الافتراءات على الله تعالى ورسوله في هذا الموضوع.
*وللمزيد من التفاصيل حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المواضيع التالية:
(استرقاق أسرى الحرب واتخاذ الجواري) http://www.hablullah.com/?p=2742
(معاملة الأسير في الإسلام) http://www.hablullah.com/?p=2320
(منهج الإسلام في إنهاء ظاهرة العبودية) https://www.hablullah.com/?p=7143
(لا يجوز استرقاق الجواري / الأسيرات) https://www.hablullah.com/?p=1976
(الجواري، والاستغلال الجنسي لهن) https://www.hablullah.com/?p=1955
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر أيضا (البقرة 221 ، النساء 3 ، 25 ، المؤمنون 5-6).
[2] (بَغَيَ) الْبَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْيَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا طَلَبُ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي جِنْسٌ مِنَ الْفَسَادِ. فَمِنَ الْأَوَّلِ بَغَيْتُ الشَّيْءَ أَبْغِيهِ: إِذَا طَلَبْتَهُ. وَالْبُغْيَةُ وَالْبِغْيَةُ الْحَاجَةُ. وَالْأَصْلُ الثَّانِي: قَوْلُهُمْ بَغَى الْجُرْحُ: إِذَا تَرَامَى إِلَى فَسَادٍ، ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْ هَذَا مَا بَعْدَهُ. فَالْبَغِيُّ الْفَاجِرَةُ، تَقُولُ بَغَتْ تَبْغِي بِغَاءً، وَهِيَ بَغِيٌّ. وَمِنْهُ أَنْ يَبْغِيَ الْإِنْسَانُ عَلَى آخَرَ. وَمِنْهُ بَغْيُ الْمَطَرِ، وَهُوَ شِدَّتُهُ وَمُعْظَمُهُ. وَإِذَا كَانَ ذَا بَغْيٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ فَسَادٌ. وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ. (مقاييس اللغة، مادة بغي)