قرأت عند عمر ناصوحي بيلمان في معجمه المخصَّص للفقه في الصفحة 154، المادة 187. ما مُعَرَّبُه: "إذا اصطف جماعة من الرجال والنساء للصلاة وَقَفَ الرجال وراء الإمام، ثم صَفَّ خلفهم الأطفال الذكور، ثم خلفهم النساء. ورعاية صَفِّ الأطفال الذكور مع الرجال على هذا النحو سنة، وفيما بين الرجال والنساء على هذا النحو فرض".
صطفاف النساء خلف الرجال في الصلاة عمل صحيح وَرَدت به كتب السنة، وفي مقدمتها صحيحا البخاري ومسلم.[1]
وفسّر العلماء هذا العمل بأنه سُنّ منعا من اختلاط النساء بالرجال. ومع هذا رأى جمهور العلماء أن المرأة لو خالفت، كأن تقف محاذية للرجال، أجزأت صلاتها، وعند الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة. ووصف ابن حجر هذا القول بأنه عجيب، وفي توجيهه تعسف.[2]
ومما استدل به الحنفية لمذهبهم هذا حديثان مذكوران في كتب الفقه لديهم، أولهما: “أَخِّروهن من حيث أخرهن الله”. وهذا حديث يُخَرِّجه الزيلعي ويصفه بأنه حديث غريب مرفوعا، وبأنه في مصنف عبد الرزاق موقوف على ابن مسعود جملةً ضمن كلام له أطول.
وثانيهما: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير صفوف الرجال أوَّلُها وشرُّها آخِرُها. وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها”.[3]
إلا أن هذا الحديث يتعسر أن يُستدَل به على وجوب تسوية الصفوف فيما بين الرجال والنساء على النحو المذكور كأنه فرض من فرائض الصلاة، ولكن يقال إنه يدل على الفضيلة والعفة وعلى منع النساء من مزاحمة الرجال في الصلاة.
والغريب في هذا الأمر أن “الحنفية لا يرون واحبات الصلاة إلا ما ثبت من طرق قطعية يقينية، ولكنهم في الوقت نفسِه قبلوا خبر آحاد في مسألة المحاذاة، محاذاة النساء الرجالَ وهن في الصلاة وعملوا به”.[4]
وخلاصة القول أن اصطفاف النساء خلف الرجال في الصلاة هو الموافق للسنة، ولكنهن إذا وقفن محاذيات للرجال فقد خالفن السنة وما أُمِرن به في الصلاة، إلا أن صلاتهن من حيث الفقه صحيحة غير باطلة.
——————————————————————————–
[1] منها ما رواه البخاري، في كتاب الصلاة، في باب الصلاة على الحصير، وكتاب الأذان، باب المرأة تكون وحدها صفا، وباب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل، وباب صلاة النساء خلف الرجال، وكتاب التهجد، باب ؛ ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير…؛ والموطأ، كتاب قصر الصلاة، باب جامع سبحة الضحى؛ وأبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون؛ والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء؛ والنسائي، كتاب المساجد، باب الصلاة على الحصير.
[2] فتح الباري لابن حجر، كتاب الصلاة، باب المرأة وحدها تكون صفا، عند حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: صليت أنا ويتيم.
[3] رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها…؛ وأبو داود، كتاب الصلاة، باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول؛ وأبو داود، كتاب الصلاة، باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول؛ والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل الصف الأول؛ والنسائي، كتاب الإمامة، ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال.
[4] Yunus Apaydin, “Namaz-Oruc”, Ilmihal-i Iman Ve Ibadetler, Turkiye Diyanet Vakfi Islam Araştirmalari Merkezi. ص 274.
أضف تعليقا