السؤال:
مررت بفترة كنت فيها شبه ملحدة، ما كنت أحب أسمع صوت الأذان أو القرآن، ما كنت حتى أحب اسم الرسول عليه الصلاة والسلام، أنا مقيمة في تركيا، وقد عرفتني صديقةٌ لي على الأستاذ عبد العزيز بايندر حفظه الله، وقد استمعت إليه درسا عن شهادة النساء، وقتها تغيرت نظرتي، وتعرفت إلى موقعكم (حبل الله) فشكرا لكم، عندي بعض الأسئلة ما تزال تراودني الشكوك حولها:
١- ما معنى آية (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها) ، أريد تفسيرها من حضراتكم، فالكثير من الملاحدة يتكلمون عن هذه الآية للطعن في نبينا الكريم.
٢- ما معنى آية (نساؤكم حرث لكم) ولماذا وصفنا الله بشيء كهذا؟
٣- ما معنى (فاقطعوا أيديهما) في حد السرقة، لأن فكرة قطع اليد قاسية جدا ولا أرى أنها تشريع من الله تعالى.
٤- هل لشرب الخمر حد، ففي كتاب الله كله لم تذكر آية واحدة تطالب بإقامة الحد على شارب الخمر، ولكن يوجد أحاديث تقول بهذا؟
٥- لا يوجد آية صريحة تفرض الحجاب على النساء، ولو كان الحجاب بتلك الأهمية لنزلت آية واضحة كآيات الصلاة وغيرها. وشكرا لكم.
الجواب:
في البداية نسأل الله تعالى الثبات لنا وللسائلة وللمؤمنين على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾.
أما بالنسبة للإجابة عن الأسئلة:
- فمعنى قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب 50)
قد يندهش البعض لأن المرأة هي التي تذهب وتطلب الزواج من رجل، وهذا لا يحدث في الغالب حيث جعل الله تعالى المرأة هي المطلوبة وليست الطالبة لما فضلها الله تعالى من الزينة وحفظًا لحيائها، ولكن الأمر يختلف هنا مع رجل عظيم الخلق كالنبي الكريم لأنه لن يفهم طلبها بصورة خاطئة ولن ينظر إليها نظرة تخدش حياءها، فإن رضي الزواج منها أكرمها وإن رفضها لم يهنها، وهذا الأمر موجود في الحياة حتى إن قل وندر؛
كأن يرى والد الفتاة رجلًا ذا خلق كريم فيطلب منه تزوجيه لابنته كما حدث مع النبي الكريم موسى قبل بعثته:
{قَالَ (والد الفتاة) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} (القصص 27)
وقد تفعله المرأة بنفسها تعريضًا أو تصريحًا إن وجدت الخلق الكريم في أحدهم الذي مهما بلغ من الخلق لن يكون بأكرم من خلق النبي الذي وصفه ربه:
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم 4).
- وأما عن ما يسمى بــ (حد شرب الخمر) فلا يوجد عليه دليل من كتاب الله تعالى[1]، وحساب شارب الخمر على ربه إلا إذا تعدى فيعاقب بما يناسب فعلته، ومثله كمثل بعض الذنوب التي لم يحدد الشرع لها عقوبة دنيوية كالكذب والغيبة والتنابز بالألقاب، فعلى الرغم من تحريمها إلا أنه لم يحدد القرآن لها عقوبة دنيوية يوقعها القاضي، بل تبقى عقوبتها من الله تعالى في الدنيا والآخرة، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَاۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًاۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (الكهف 49).
وفي العقوبات الدنيوية التي ينزلها الله تعالى بالإنسان بسبب تجاوزه أوامره ونواهيه يقول تعالى:
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى 30)
- وبالنسبة لمسألة الحجاب أو بمعنى أدق (الخمار) الذي هو غطاء الرأس، فهو فرض على المرأة بنص كتاب الله تعالى:
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنّ} (النّور 31)
واختلاف مسميات غطاء الرأس بين الحجاب أو الزي الشرعي أو غيره وسواء قبله البعض أو رفضه فلا أهمية لذلك إذ أن النص صريح في وجوبه على المرأة.
وبالرغم من كونه فريضة على المرأة إلا أنه لا يملك أحد الحق بأن يجبرها على ارتدائه أو خلعه كما لا يجوز النظر للمرأة غير الملتزمة باللباس الشرعي بنظرة السوء، نعم هي مقصرة في أمر من أوامر ربها كما أنه لا يخلو إنسان من التقصير، وما علينا إلا البلاغ وحسابنا جميعا على الله تعالى:
﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّيۖ لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ (الشعراء 113).
انظر فتوى (الدليل من القرآن الكريم على وجوب غطاء الرأس للمرأة) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=3259
- وقوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْۖ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة 223)
فهذا التعبير جاء ضمن التعبيرات القرآنية البديعة التي تحدثت عن العلاقة الزوجية، وعهدنا دائمًا مع كتاب الله تعالى فيما يخص علاقة الزوجين في الفراش هو التورية والإشارات الرمزية كي لا تخدش الحياء عند تلاوتها أو البحث في أحكامها.
فنجدها مرة بلفظ الرفث والمباشرة وأخرى بلفظ الإفضاء أو التغشي أو المس واللمس.
وعندما جاء التعبير بالحرث فقد كُني به عن المكان المباح لإيتان الزوجة، وهو موضع الولادة ، ووجه الشبه بالحرث هو الإنبات، وفي الآية تشبيه للمرأة بالأرض لأن كلاهما ينبت، فالمرأة تنبت النشىء وترعاه وكذلك الأرض مع ما تنبته، وليس في هذا التشبيه ما يسيء للمرأة أو يحط من شأنها بل على العكس تمامًا فهو تعبير يحفظ حياءها.
بالإضافة إلى أن التشبيه بالنبات ليس خاصًا بالمرأة وإنما جاء تشبيه دورة حياة الإنسان وتطور مراحلها في المحيا والممات بدورة النبات، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ (نوح 18)
- أما بالنسبة للسؤال عن حد السرقة فهو محل بحث ومدارسة. والله الموفق وهو هادي السبيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقالة (الخمر: حقيقته وحكمه وعقوبته) https://www.hablullah.com/?p=2053