السؤال:
أستغفر الله لكن لماذا يفضل الله الرجل؟
أنا لا أقصد التجرؤ على قضاء الله أو على آيات الله، لكن كثرة الأسئلة التي تدور في رأسي تسبب لي اكتئابا حاد جدا يجعلني أتمنى الموت أو الانتحار وأشعر بحرقة لعدم كوني ذكرا كي لا أقف موقفا كهذا تجاه الآيات القرآنية بل اعتز بها بدلا من طرح الأسئلة حولها والشعور بالغم والهم والنفور من الدين بدلا من الإقبال عليه. آسفة على الإطالة وأتمنى أن تأخذوا رسالتي بصدر رحب لأني بحاجة للإرشاد.
أود طرح الأسئلة الثلاثة التالية:
أولا: لماذا يقول الله في نشوز الزوج :
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 128]
لماذا يقول الصلح خير؟ أيكون خير في تنازل المرأة عن حقوقها داخل علاقة تستنزف منها صحتها في حين تقوم بالمقابل بإسقاط حقوقها عند نشوز الزوج؟ في حين يقول تعالى عند نشوز الزوجة :
﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34] وعند نشوزها تسقط حقوقها أيضا سواء نشز الزوج أو نشزت الزوجة لماذا يقول تعالى :
﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ﴾
هل الخير في هضم حقوق الزوجة؟ ولماذا تفسر هذه الآية عند المفسرين أن المرأة المطالبة بحقوقها هي المقصودة بالأنفس الشح.
ثانيا: لماذا يقول تعالى:
﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 51]
ولكن الله يقول أيضا:
﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء: 3]
ويقول تعالى أيضا:
﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 129]
حتى الرسول (ص) يقول: “من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط”.
إذن لماذا أجاز الله للرسول أن لا يعدل بين زوجاته كتفضيل له على سائر الرجال (كما فسره عدد لا يحصى من المفسرين)؟
ثالثا: يقول تعالى :
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ وبالرغم من أن الله تعالى أحل للرسول (ص) الزواج على زوجاته وعدم العدل بينهن (حسب ما فهمته من المفسرين ) ولكنه حرم عليهن الزواج للتعفف من بعد الرسول لقوله:
﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 53]
فلماذا تحرم زوجات النبي من الزواج من بعده بينما يصح له أن يتزوج عليهن ولا يعدل بينهن؟
هذه الأسئلة لم تفارق عقلي وتنغص علي حياتي وتشعرني أن الله يفضل الرجال وليتني كنت رجلا كي لا أشعر هكذا.
الجواب:
السائلة تستغفر من سؤالها لماذا فضل الله تعالى الرجال على النساء؟!
ولعلنا نعينها بطرح بعض التساؤلات:
هل جعل الله تعالى للرجال نصيبًا من ملكه: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾ النساء (53) ؟!
أم أن الرجال قد خلقوا خلقًا مع الله تعالى فاختلط الأمر بين الخلقين: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ﴾ الرعد (16) ؟!
أم أن الرجال هم من يرزقون الخلق أو يحيون أو يميتون: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْۖ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ الرّوم (40) ؟!
أم أنه تعالى قد أشرك الرجال في حكمه وشرعه: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه﴾ الشورى (21) ؟!
أم أنه تعالى قد أحب الرجال وكره النساء؟! فإن كان الأمر كذلك، فلماذا خلق الأنثى؟! أخلقها ليعذبها في الدنيا والآخرة: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ النساء (147) ؟!
أليست الأنثى من بني آدم التي شملها التكريم والتفضيل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الإسراء (70)
أليس الرجل إنسانًا يشمله الضعف؟! ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ النساء (28)
نرجو من السائلة الكريمة أن تجيب عن الأسئلة الإلهية ثم تستغفر ربها عن ظنها الذي ظنته فيه دون أن تدرك: ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الصافات (87)؟!!
ثم نأتي للإجابة عن التساؤلات:
- في الحقيقة إن الحالة التي عليها السائلة من الغم والهم والاكتئاب وتمني الموت ليس من تلاوتها للآيات القرآنية التي قال عنها منزلها: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد (28)
وذلك لما فيها من كل معاني الرحمة وأسباب العدل والسعادة في الدارين ومن ثم زوال الغم والهم، ولكن ما وصلت إليه السائلة إنما يعود لسببين:
- الأول ذكرته السائلة ألا وهو قراءتها للقرآن من خلال التفاسير وآراء المذاهب التي حرفت الكثير من معاني الكتاب وتمسكت بروايات افتريت على الله تعالى وعلى رسوله كما وصفهم الله تعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ المائدة (41)، فقد ابتعد كثير من الناس عن منهج الله تعالى وسلموا عقولهم لمن سبقوهم وقدسوا التفاسير أكثر من تقديسهم للنص القرآني رغم أنه لا يحتاج إلى تفسير من خارجه قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿الٓر، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ هود (1)
فقد أخبرنا تعالى أن التفصيل من لدنه وحده.
فهؤلاء ارتضوا حكم الجاهلية من تفضيل الذكور على الإناث ودسوا السم في العسل تحت شعار (قول الرسول وسنته) وهو برئ منهم لأنه أولى الناس باتباع ما أنزل إليه:
﴿فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ، وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ الشورى (15)
ولكن أبى القوم إلا أن يتبعوا الظن ويقدسوا ما توارثوه حتى لو كان متناقضًا مع ما أنزل الله تعالى:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ لقمان (21)
- والثاني هو عدم تطبيق المسلمين لتعاليم القرآن وحصره في إطار الحفظ والتجويد وجعله كتاب البركات ونيل الحسنات وليس كتابا لاستنباط الحكمة منه والعمل بمقتضاه واعتباره منهاج الحياة، وهذا هو حال أغلب أهل الكتاب في ابتعادهم عما أنزل ربهم قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ الحديد (16)
فنجد أكثر الناس يحكم على دين الله تعالى من سلوك الناس الخاطئ تجاه المرأة ثم يُلقى باللوم على الدين ويسيء إلى رب العالمين ويفتري عليه الظلم والتفريق بين عباده وهو القائل:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض﴾ آل عمران (195)
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ النساء (124)
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ النحل (97).
- وبالنسبة لمسألة سقوط حق الزوجة من الصداق والنفقة والمتعة حال نشوزها، فيجب علينا أن نفهم أولًا معنى النشور، وكذلك ما يترتب عليه حتى تتضح الصورة في ذهن السائل:
- فإن نشوز المرأة يعني نفورها من زوجها وطلبها الفراق، وليس معناه مخالفتها لأمر زوجها كما تقول أغلب التفاسير، وقد بيّن تعالى ما يجب على الزوج حال خوفه من نشوز زوجته بقوله:
﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ النساء (34)
ويمكن الرجوع لموضوع (ضرب النساء) على هذا الموقع وقراءة ما كتب حوله لبيان معنى الضرب فيها.
https://www.hablullah.com/?p=2945
ما يهمنا هنا أن النشوز جاء في حق الزوج كما جاء في حق الزوجة وكلاهما بمعنى واحد، وهو الخوف من فراق أحد الزوجين لصاحبه:
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ، وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ النساء (128)
- أما ما يترتب على النشوز فقد بينه تعالى في الآيتين ولا علاقة له بما يزعمون من ضياع حقوق الزوجة فلم يأت في الآيتين ولا في غيرهما أنها تتنازل عن الصداق أو تسقط عنها النفقة أو المتعة حال نشوزها.
وقوله تعالى: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) لا يعني نفس المرأة كما ذكرت!!
فكلمة الأنفس لا تختص بأنفس النساء دون الرجال فلم يقل الله تعالى (وأحضرت أنفسهن الشح) كما أن الشح وارد من كل نفس بشرية:
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ التغابن (16)
فالآية الكريمة تبين حال الأنفس بوجه عام عند الخصومة وما يعتريها من الأنانية والشح في البذل والعطاء للطرف الآخر وخاصة بين الزوجين.
فيحثنا تعالى على التخلي عن شح الأنفس بأن يتنازل كلا الزوجين عن أنانيته وشحه، فلا يشح الزوج حال الخصام والنشوز على زوجته بالإنفاق والرعاية ولا تشح المرأة على زوجها بالحفظ والعناية.
ولذلك قال تعالى عقب ذلك:
﴿وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾
فواو الجماعة في قوله (تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا) و (تَعْمَلُونَ) تعود على الأزواج رجالًا ونساء، ولو كان الشح هنا خاصًا بالنساء كما زعموا لقال تعالى (وإن تحسن وتتقين) و (تعملن).
ومن أكبر الأدلة على ذلك أنه تعالى أمر الرجال أن يعطوا أزواجهم حقوقهن ولو بلغ القنطار ووصف أخذه بالبهتان والإثم:
﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ النساء (20)
وحرم على الرجل منعها حقها حتى ولو كرهها، واستثنى من ذلك إتيانها بفاحشة مثبتة بالدليل والبرهان قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ النساء (19)
حتى في حالة افتداء المرأة نفسها من زوجها لم يأمرها ربها سبحانه بأن ترد إليه كل ما آتاها، وتوعد من يخالف ذلك من الرجال ووصفهم بالظالمين رغم أن الزوجة هي التي كرهت وأرادت الفراق:
﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ البقرة (229).
بل إن المرأة إذا أرادت أن تعطي زوجها أو تتنازل له عن صداقها بطيب نفس منها وبغير إجبار منه لم يأمرها ربها أن تعطيه كاملًا وإنما رخص لها في شيء منه كي يحفظ لها حقوقها:
﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ النساء (4) فلم يقل تعالى (فإن طبن لكم عنه)
فكيف لنا بعد ذلك أن نزعم أنه تعالى ظلم المرأة ومنعها حقها؟!
- وأما عن أزواج النبي، فإن الإنسان العاقل يستطيع أن يفرق بين زوجات الملوك والرؤساء وبين غيرهن فهناك تصرفات وأفعال لا تقبل من زوجات هؤلاء وتقبل من بقية النساء حتى لو كانت أشياء لا تتعلق بالحرام والحلال وإنما بنمط الحياة بشكل عام، فلهن خصوصية تتعلق بأسلوب الحوار والملبس والمأكل لأن كل حركاتهن وسكناتهن تكون محط أنظار الناس.
فماذا عن أزواج الأنبياء؟! فقد قَالَ جَلَّ في عُلاه:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ الأحزاب (32)
وهذه الخصوصية لنساء النبي يترتب عليها أمورًا تزيد عن بقية النساء سواء في العقاب أو الثواب.
فكل امرأة تخطئ لها عقاب واحد أما أزواج النبي فقَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ، وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ الأحزاب (31).
وذلك لأنهن أصبحن في حصن النبي الكريم، وأي إساءة منهن سوف تلحق الأذى به ومن ثم تسيء للرسالة التي يحملها، كما أن قنوتهن وصلاحهن مع النبي وصبرهن تزيد من أجرهن عند الله تعالى.
فالنبي الكريم ليس كأي رجل يعمل في نهاره ثم يسكن إلى زوجه في الليل، وكذلك أزواجه
لا بد أن يكن قادرات على تحمل هذا الوضع مع رجل ملقى على كتفيه هموم أمة بأكملها، رجل مشغول في نهاره بأعباء الدعوة والجهاد والحكم بين الناس ومواجهة أعداء الدين، ومثقل ليله بأعباء الرسالة والتنزيل وقد نداه ربه سبحانه وأمره بهجر النوم والراحة:
﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا *أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ المزّمّل (1 :6)
والمتدبر للآية نفسها يجد أنه سبحانه وجه رسالة إلى أزواج النبي أن ما يفعله معهن ليس كرهًا لإحداهن وإنما هو بأمر ربه الذي يعلم ما في قلب نبيه وما يحتاج إليه، فقد يحتاج إلى المشورة أو الراحة أو السكنى وقد يجد تلك الأمور عند إحداهن دون الأخرى، أو أنه قد يعد إحداهن بالمبيت عندها ولكنه تجد عليه أمور ويتعذر عليه الذهاب فنزلت لهن الآية تسكينًا وترضية لقلوبهن:
﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ، ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾ الأحزاب (51).
وهذا هو معنى قوله تَعَالَىٰ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ البقرة (286) حين لم يثقل الله تعالى كاهل نبيه الكريم بما ليس في وسعه ورخص له ما لم يرخصه لغيره.
ومن قبلت بهذا الوضع فقد قبلته بغير إكراه ولا إجبار، ولذلك فقد خيرهن رب العالمين:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب (29)
وهذا هو قمة العدل بل الإحسان حين يكافئ رب العالمين من اشترت آخرتها بدنياها.
وكم من امرأة تمنت أن تعيش في كنف النبي الكريم ولو ليوم واحد وتبقى على ذكراه الطاهرة بعد وفاته ما تبقى من حياتها لتلقاه في جنة النعيم!
وبالفعل كانت تذهب المرأة وتعرض نفسها عليه ليتزوجها مع علمها بما وجب عليها:
﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأحزاب (50).
فإن قبلت المرأة شرف الانتساب لعصمة الرسول الكريم وخاتم النبيين فعليها أن تلتزم بما كتبه تعالى لها وعليها بأن تكون أما للمؤمنين:
﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ الأحزاب (6)
وهي بذلك تكون قد ارتضت بشرف تلك الأمومة، وقد حرم تعالى الزواج من الأمهات.
وهذا هو أمره تعالى في كتابه:
﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا، إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ الأحزاب (53)
وما علينا إلا السمع والطاعة والامتثال لأمره تعالى:
﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ الرعد (41)
حتى لو لم ندرك الحكمة من وراء بعض التشريعات، لأنه سبحانه:
﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ الأنبياء (23)
فكيف إن كانت واضحة جلية؟!
- أما عن تمني السائلة أن تصبح رجلًا، فما أدراها أنها لو خلقت رجلًا لتمنت أن تكون امرأة، ولأن هذا ممكن الحدوث نزلت الآية التالية:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ النساء (32).
فالأصل بالمسلم أن يقبل ما خلقه الله تعالى عليه فهذا اختيار الله له وتقديره، وما على المسلم إلا أن يستجيب لأمر ربه سواء كان رجلا أو امرأة، حيث لا فرق في التكليف ولا في الجزاء، يقول الله تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]
وختامًا: ندعوا السائلة إن أرادت فهم القرآن أن لتبحث في القرآن نفسه ولا تلتفت لما يتناقض معه ويخالفه:
﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ الجاثية (6)
وأن لا تأخذ دينها من خلال سلوكيات أكثر الناس، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:
﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ يوسف (103)
وأن لا تنساق إلى خطوات الشيطان، بل تستعيذ بالله تعالى منه، وأن تداوم على تدبر الكتاب لينشرح صدرها ويطمئن قلبها قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ الإسراء (82)
وننصحها بالرجوع لهذا الموقع المبارك (حبل الله) لتطلع على الردود على التساؤلات من هذا النوع لعلها ترشدها إلى الكلمة السواء حيث أن موقعنا قد تبنى الرد على تلك القضايا ليس دفاعًا عن المرأة فهو سبحانه الذي ﴿يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الحج (38)
وإنما انطلاقًا من قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ الأحزاب (39).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد