السؤال:
لقد قرأت في إحدى صفحاتكم عن أسباب الخلافات في العلاقات الزوجية أن المرأة أصبحت تخرج لتنافس الرجل في العمل و نسيت دورها الحقيقي وهو التربية.
لكن عندما نرى الواقع نرى ما حدث للنساء اللواتي لم يعملن حيث أصبحن في علاقة عبد و سيده، لأنه ينفق عليها فهي تُلعن إن خالفته و لا تشم رائحة الجنة إن خرجت بدون إذنه بينما هو يجوز له فعل ما يريد و التسلط عليها حتى التزوج عليها إن كبرت أو مرضت .
سؤالي هو هل يضمن الإسلام للمرأة الحياة الكريمة إن تركت العمل و اهتمت ببيتها لأنه بكلمة واحدة من الزوج تجعلها في الشارع حيث لا يوجد من ينفق عليها ماذا ستفعل حينها؟ حيث لا خوف على الأطفال لأن نفقتهم واجبة في جميع الحالات لكن ماذا عنها ؟
الجواب:
بحسب تشخيص كاتب المقالة المشار إليها[1] فإن خروج المرأة للعمل يسبب المشاكل في الأسرة، وهذا التشخيص لا يكون سببا في تحريم عمل المرأة خارج بيتها، وإنما هو حكاية للواقع المعاش، فعملها _في الغالب_ يكون على حساب راحتها وراحة أهل بيتها. ولا يمكن تعميم هذه المسألة، فهناك نساء عاملات بدون أن تواجه أسرتها مشاكل تذكر.
أما كون الرجل مكلفا بالإنفاق على زوجته فهذا مما لا شك فيه، ولا يصح للزوج أن يقصر فيه بحال أو أن يتمنن على زوجته فيه، فهو واجبه الشرعي الذي كلفته به شريعة الله:
﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]
فإن قام بما عليه كان له أجره، وإن قصر أو تمنن على زوجته كان آثما، ولا تبرأ ذمته إلا بتوبة ورد اعتبار لزوجته.
إن انتظام الحياة وهناء الأسر لا يكون إلا بالتفاهم بين الزوجين، وبأن يتقي كل واحد منهما ربه بصاحبه وبأهل بيته، ولا يمكن أن تستقر الأسر بالمغالبة والمشاحنة وبفرض القوانين الصارمة داخل الأسرة. يقول الله تعالى موضحا حقيقة العلاقة بين الزوجين وأفراد الأسرة الآخرين:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن: 14]
والمقصود بالعدو في الآية هو الذي يدخل ساحة الآخر ومجال حركته، وأعظم ما يكون ذلك في الأسرة الواحدة، لتداخل الحقوق والوجبات بينهم، وحتى لا يؤدي هذا التداخل إلى عداء مستحكم وجهت الآية الكريمة أفراد الأسرة بأن يعفوا ويصفحوا ويغفروا زلات بعضهم، وذلك حتى تستمر الحياة وتسود السكينة والطمأنينة في الأسرة، فإن صفح أحدهم كان قدوة لغيره فيحذون حذوه، ولو قصر رب الأسرة _مثلا_ في هذه الوظيفة فلتقم بها الزوجة لتكون القدوة له ولأولادها، فخير الناس أنفعهم للناس، والسابقون في الخيرات لهم السبق في رضوان الله تعالى:
﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الواقعة: 10-12]
أما توصيف السائلة بأن العلاقة بين الزوج وزوجته غير العاملة هي علاقة العبد بسيده فهو توصيف مبالغ فيه ولا يوافق الواقع، وإن صادف أن تكون هناك حالات فهي نادرة ليس لها صفة العموم، وليس للزوج في ديننا أن يعامل زوجته كأمة عنده، فإن فعل كان لها حق الاعتراض بالطرق المشروعة كالنصح له وإخبار الأولياء بحاله وبرفع المسألة للقضاء وعندئذ يخيره القاضي بأن يعامل زوجته بالحسنى أو طلاقها بالإحسان، لقوله تعالى:
﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229]
إن شريعة الله تعالى لا تسمح لأحد أن يستعبد أحدا، ذلك أن العبودية لا تصح لغير الله تعالى، وقد سنت من القوانين ما يمنع حدوث ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عبد العزيز بايندر، أسباب الخلافات الزوجية ، موقع حبل الله https://www.hablullah.com/?p=1425