السؤال:
هناك أحاديث عن النبي تحرم الذهب والحرير على الرجال، لكن لا يوجد في القرآن ما يؤيد هذا التحريم، فكيف تقيمون هذه المسألة؟ وما هو حكم لبس الحرير والذهب للرجال؟.
الجواب:
يمتن الله تعالى على عباده بأن أخرج لهم من البحار والأنهار حلية يلبسونها، والخطاب موجه لجميع البشر رجالهم ونسائهم بلا فرق:
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾ [فاطر: 12]
هناك أمر قرآني عام بأخذ الزينة لا سيما عند الصلاة أو الذهاب إلى المساجد مع ملاحظة عدم جواز الإسراف في ذلك، يقول الله تعالى:
﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]
هذه الآية تبين أن كل ما عرفه الناس من الزينة حلال، ويدخل فيه الحرير والأقمشة بأنواعها المختلفة والذهب والفضة واللؤلؤ وغير ذلك مما يصعب حصره.
ثم تبين الآية التالية مباشرة أنه لا حق لأحد أن يحرم على الناس ما أحله الله تعالى لهم، وذلك بصيغة السؤال الإنكاري:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 32]
وإذا كانت الزينة التي أخرجها الله تعالى لعباده حلال على كل الناس مؤمنهم وكافرهم في الدنيا إلا أنها خالصة للمؤمنين يوم القيامة، أما الكفرة والعصاة فيحرمون منها.
وللتأكيد على دور الشريعة في تحريم القبائح دون المصالح فإن الآية التي تلت تؤكد هذا المنهج الرباني العظيم:
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33]
هذه الآية تقدم النموذج العام في المحرمات:
1_ الفواحش: وهي العلاقات الجنسية خارج إطار النكاح الصحيح، سواء كانت تلك الفواحش علنية أو سرية.
2_ الإثم: وهو كل الشرور التي حرمها الله تعالى في كتابه كالكذب و شرب الخمر وأكل مال اليتيم.
3_ البغى وهو العدوان على الغير ماديا أو معنويا.
4_ الشرك بالله تعالى، سواء كان صريحا كادعاء أن لله شركاء ، أو مبطنا كالرياء واعتقاد خصوصية بعض الخلق في علاقتهم بالله تعالى.
5_ الكذب على الله تعالى ورسوله بتحليل الحرام و تحريم الحلال دون علم ، أي بدون دليل من كتاب الله تعالى:
﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ (القرآن) مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ . الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 120-121]
أمام هذا البيان القرآني الواضح فإن الروايات التي نسبت إلى نبينا الكريم التي تفيد تحريمه للذهب والحرير على الرجال إنما هي روايات مفتراة لا يمكن أن تصدر عن نبينا الكريم الذي أمره ربه بأن يحكم بين الناس بما أنزل الله تعالى إليه من الكتاب:
﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]
كما أمره ربه أن يكون متبعا للكتاب لا مشرعا دونه:
﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 106]
كما أمره أن يخبر الناس بحقيقة كونه متبعا للكتاب:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي، هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 203]