السؤال:
طبقا لبدايات سورة التحريم فهل يحرم على الزوج أو الزوجة التنازل عن بعض الأشياء لإرضاء زوجه؟ أليس من الفضائل أن يسعي الإنسان لإرضاء شريكه حتى لو بالتنازل عن بعض الأشياء؟ فلماذا عاتب الله نبيه لسعيه لإرضاء زوجاته؟
هل يحرم على الزوج قبول شرط الزوجة بعدم التعدد طبقا لهذا أيضا؟. لأن التعدد مما أحله الله تعالى للرجال. فهل يحرم عليه قبول هذا الشرط أو أن هذا الشرط فيه إثم لأنه يحرم ما أحل الله تعالى؟!
هل موافقه الرجل على شرط خطيبته أن لا يتزوج عليها حلال؟ أليس أنا بموافقتي أحرم على نفسي ما أحل الله لي؟ أليس هذا خطأ؟ ألم يعاتب الله تعالى رسوله الكريم لأنه حرم على نفسه ما أحل الله له؟ أليس هذا الموقف مشابه لذاك؟ لا سيما أن السبب واحد و هو إرضاء الزوجة و هو نفس السبب المذكور في الآية وهو إرضاء النبي لزوجاته، فأنا إن رضيت بهذا أكون مذنبا؟ فإن هذه المسألة متلبسه علي. كما أني قرأت على موقعكم أن هذا الشرط جائز، فكيف هذا؟ ألا يقع هذا في تحريم ما أحل الله تعالى لي؟ أرجو إجابتي في أسرع وقت.
قاصدا أن هذا الشرط حرام بدلاله الآية الأولى من سورة التحريم، فهل هذا صحيح؟ فهذا يتعارض مع أغلب الشروط التي يُقال أنها مسموحٌ بها في العقد.
كما أتساءل لماذا حرم الله أن يحرم الزوج أو الزوجة بعض الأشياء على نفسه لإرضاء الآخر، فكثير ما يحدث هذا ؟
شاكرا مجهوداتكم.
الجواب:
إن السؤال يحتوي على بعض المفاهيم المختلطة التي تشكل على السائل.
- أولًا: فإن مسألة أن الله تعالى قد أحل التعدد في الزواج فهو أمر ليس على إطلاقه وهو مقيد بشروط بيًّنها الله تعالى في كتابه، ثم أكد على عدم قدرة الرجل على الوفاء بها: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ النساء (129).
بالإضافة إلى أن عدم تعدد الزوجات لا يندرج تحت تحريم الحلال، فليس كل أمر أحله الله تعالى يأثم الإنسان إن لم يفعله، فالتعدد أمر ليس ملزمًا للرجل بل إن النكاح نفسه قد دعا الله تعالى إليه ولكن الدعوة إليه ليست على سبيل الإلزام فإن لم يتزوج المؤمن من الأساس سواء أكان رجلًا أو امرأة فإنه لن يأثم.
وهذا بخلاف أوامر أخرى جاءت على سبيل الإلزام كالصلاة والصوم والزكاة والصدق التي يأثم تاركها، وكذلك بخلاف الطعام والشراب الذي لا يستطيع المرء العيش بدونه ويعرض نفسه للتهلكة إن لم يفعلها.
ومن هنا فإنه لا مانع من أن يمتنع أحد الزوجين عن مباح سواء أكان مرضاة لزوجه أو لعدم رغبته، وهذا لا يعدُّ من باب تحريم الحلال لا من قريب أو بعيد.
- ثانيًا: نحن لا نعلم ما الذي حرمه النبي على نفسه إذ لم تذكره الآيات، ولكن يبدو من السياق أن النبي الكريم حرم على نفسه شيئًا رغم أنه في حاجة ملحة إليه وقد حلف على ذلك، والله تعالى يعلم مدى درجة إيثار النبي على نفسه وتحمله الضيق والعنت مرضاة لأزواجه اللائي أخطأ بعضهن في حقه ولم يراعين أعباء حمل الرسالة الملقى على عاتقه، ولذلك عاتبهن رب العالمين في السياق نفسه:
﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا، وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾ التحريم (4)
وبيّن لنبيه أنه يستطيع أن يكفر عن يمينه ولا يحرم على نفسه شيئًا خاصة إن كان هذا الشيء قد أحله له ربه خالصًا له دون بقية المؤمنين كبعض الأمور المتعلقة بالزواج التي أبيحت للنبي دون غيره تفرغًا لحمل الرسالة الذي يترتب عليه مصير أمة بأكملها.
- ثالثًا: بالنسبة للشروط عند الزواج فإنها قد حدث فيها خلط كبير.
وقبل الإجابة عنها ينبغي توضيح الفرق بين العقد والعهد والوعد، ورغم أن كلا منها يجب الوفاء به امتثالًا لأمره سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ المائدة (1)
وقوله:
﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ، إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ الإسراء (34)
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ، إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ مريم (54).
ولكنه في الوقت نفسه لا ينبغي الخلط بين هذه المفاهيم؛ ذلك لأن العقد والعهد يترتب عليهما جزاء دنيوي عند الإخلال بهما بالإضافة إلى الجزاء في الآخرة لما فيهما من المصلحة في تنظيم وضمان حقوق العباد، وذلك كعقود الزواج والطلاق والبيع والشراء، وكالعهود والمواثيق بين الدول والجماعات، قال الله تعالى:
﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ النحل (91)
أما نقض عهده تعالى فإن كان ليس له عقوبة قانونية كبقية العهود لكن نكثه يعود بالخسران على صاحبه في دنياه وأخراه:
﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ الفتح (10)
والحفاظ عليه صفة ملازمة للمؤمنين:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ المؤمنون(8)
والفرق بينهما وبين الوعد أن الأخير هو إلزام الشخص نفسه بفعل شيء دون عقد أو ميثاق، ولا يترتب عليه جزاء من جهة القضاء، لكن الإخلال به يورث النفاق ، قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ التوبة (77).
إن عقود الزواج محددة بموضوع العقد ولا يصح أن يدَّون فيها ما خرج عن مضمون النكاح وشروطه التي أمر الله تعالى بها في كتابه من تعيين الولي وتسمية المهر وحالة الزوجين الاجتماعية من الطلاق أو الترمل لحساب العدة وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالزواج، وذلك لأن الكذب في هذه الأشياء أو الرجوع عنها يعرض صاحبها للمسائلة من جهة القضاء، كأن يرفض الزوج إعطاء زوجته المهر المذكور بالعقد أو تكذب هي في شيء قد يترتب عليه اختلاط الأنساب.
وما يتعلق بالشروط الأخرى الخاصة برغبات كلا الزوجين فلا علاقة لها بالعقد ولا ينبغي أن تكون جزءا منه، وإنما تندرج تحت الوعد، ولذلك على كلا الزوجين أن يعد بما يستطيع الوفاء به كالصدق وعدم الخيانة والأمانة وصلة الأرحام، أما ما يحتمل فيه الرجوع فلا ينبغي أن يعد به؛ كي لا يقع في إثم مخالفته، وذلك لأننا لا نعلم المستقبل:
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ لقمان (34)
فقد يقبل أحد الزوجين شرط صاحبه عند الزواج ثم يضطر إلى الرجوع عنه إن تعارض مع مصلحته أو أجبرته الظروف على ذلك، فقد يشترط الرجل أن لا تكمل زوجته تعليمها أو أن لا تعمل خارج البيت ثم تجد في نفسها الرغبة والقدرة على إكمال دراستها أو قد تضطرها الظروف للخروج للعمل بموافقة الزوج نفسه.
وكذلك المرأة قد تشترط على الرجل عدم التعدد أو يعدها بذلك ولكنه قد يضطر إلى ذلك لمصلحة ما كرعاية اليتامى أو حدوث شقاق واستحالة العشرة بينه وبين زوجته.
فالزواج ميثاق الغليظ، ولكنه لا أحد يستطيع أن يقرر من البداية أنه سوف يحتفظ بشريكه مدى الحياة، وإن وجد أحدهما أو كلاهما أنه لا يستطيع الاستمرار سواء تعاهد على البقاء أم لا فله ذلك:
﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ النساء (130).
وإن حدث وأراد الزوج التعدد وسواء قد تعهد بعدم فعله أم لا فينبغي عليه أن يعطي زوجته في حالة رفضها التعدد وطلبها الطلاق كامل حقوقها دون نقص قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًاۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ النساء (20).