السؤال:
ما موقفكم من المذهب الشيعي، وما موقفكم من عاشوراء وقصة كربلاء، وماذا تقولون عن المدارس التي درست أجيالا على تطبيق الإسلام وتخليد ذكرى حفيد رسول الله الذي قُتل على يد خليفة مسلم ممن ساهم في نقل بعض من سنن رسول الله.
إني قد قرأت الكثير من مقالاتكم وإني في قيد دراسة كتبكم المدرجة في هذا الموقع، وصراحة تعجبني طريقة طرحكم للأمور وفرزها والإتيان بأدلة لها في ظل الآيات القرآنية وغيرها من كل الأديان والمجتمعات، فرأيتكم استنبطتم من التوراة والإنجيل في بعض المقالات بغية الإقناع والإتيان بالدليل.
إني لأرى كثيرا من الأمور في مذهبي غير منطقية، فأرجو أن تأخذوا هذا الموضوع بدراسة متجردة من كل الزوايا، لأننا شُرّبنا الدين على أنه اتباع للقرآن والرسول وأهل البيت الذين هم أحفاد الرسول وأُقنعنا بهم، ومن لا ينظر أو يدرس المذاهب الأخرى لا يستطيع التشكيك في ذلك.
أرجو أن يوفقكم الله على الإجابة بأفضل الأدلة.. وشكرا…
الجواب:
نشكر السائل الكريم على ثقته بموقعنا وتحريه الحق، نسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنه وأن يلهمنا رشدنا وإياه. أما بعد:
التشيع ظاهرة طارئة في المجتمع الإسلامي، نتيجة لأحداث وتطورات سياسية واجتماعية معينة، أدت إلى تكوين فكري ومذهبي خاص لجزء من ذلك الجسم الكبير، ثم اتسع ذلك الجزء بالتدريج[1].
ولم يكن مصطلح الشيعة والتشيع موجودا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ويبرر علماء الشيعة عدم وجوده بقولهم: “بأن ولادة الأسماء والمصطلحات شيء ونشوء المحتوى وواقع الاتجاه والأطروحة شيء آخر، فإذا كانت كلمة (الشيعة) غير موجودة في اللغة السائدة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بعد وفاته، فلا يعني هذا أن الأطروحة والاتجاه الشيعي لم يكن موجودا”[2].
ويزعم بعض علماء الشيعة أن التشيع بمصطلحه كان موجودا حتى في حياة النبي عليه السلام، اعتمادا على نقول ومرويات يستندون إليها، لكنهم لا يجيبون كيف يمكن أن يكون هناك تشيع لعلي بن أبي طالب بوجود من هو أولى منه بالاتباع أي النبي عليه السلام.
يقرر القرآن الكريم أن الابتعاد عنه يؤدي حتما إلى الفرقة والاختلاف كالحاصل بين طوائف المسلمين ومذاهبهم. يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ (الأنبياء: 92-93)
ثم نهى عن التشيع في الدين، أي التحزب القائم على تقديم شخص أو جماعة أو فكرة على كتاب الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: 159]
ثم اعتبر ظهور الشيع والجماعات الدينية المختلفة دليلا على البعد الجماعي عن الحق الموجود حصرا في كتاب الله تعالى، ثم اعتبر نتائج هذا البعد من التمزق والعداوة عقوبة مستحقة:
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]
التسمية الوحيدة التي يرتضيها المسلم لنفسه هي تسمية الله تعالى له:
﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (الحج 78)
لم تُخضع الطوائف والمذاهب ذخيرتها الروائية لكتاب الله تعالى ورفضت عرضها عليه بالجملة، بحجة أنها وحي مباشر للنبي فلا حاجة لعرضها على كتاب الله تعالى متناسين أن إلزامية عرضها على الكتاب نابعة من التثبت من صحة نسبتها لنبينا الكريم، فقد تناقل الناس ميراث النبي في تطبيق الوحي لكن منهم من صدق ومنهم من كذب ومنهم من فطن ومنهم من نسي. والحق أن سبب الرفض هو علمهم أن منظومتهم ستنهار أمام الحق الذي سيبطل جميع الروايات التي ابتعدت بالمسلمين عن كتاب ربهم لتشكل أساسا للطائفة أو المذهب.
الابتعاد عن القرآن واستبدال الرواية به أنتج كثيرا من العقائد والأفكار التي فرقت الأمة وأضعفتها، ومن ذلك عقيدة الولاية لأهل البيت عند الشيعة، وبالرغم من عدم وجود أصل لهذه الفكرة في القرآن الكريم إلا أنها جُعلت أصلاً من أصول الإسلام و جزءاً أساسيا من عقيدته، محتجين بأنه ليس في الإسـلام أمراً أهـم من تعيين الإمام، و لم يكن للنبي – حسب زعمهم – أن يفارق الدنيا قبل أن يحسم هذا الأمر، ذلك أن الإمامة نص من الله تعالى وهي ليست بالاختيار و الشورى بين أهل الحل و العقد كما هي عند أهل السنة والجماعة.
والنص المزعوم لا وجود له في كتاب الله تعالى، أما في الرواية عن نبينا فقد كان من السهل افتراء الأحاديث التي تؤيد قولهم.
يزعم الشيعة أن عدد الأئمة المنصوص على إمامتهم اثنا عشر إماما، لكن التبرير الذي يسوقونه للتعيين يتناقض مع مبدأ العدد المحدود، فإن كان الدين لا تقوم له قائمة بغير الإمام المعين _كما زعموا_ فمن الطبيعي أن نسأل ما مصير الدين بعد انقضاء زمن الأئمة المعينين؟ هذا التساؤل المحق لا يمكن أن يجاب عليه بطريقة منطقية مقنعة إلا بالاعتراف بسقوط مبدأ التعيين من أساسه.
وقد لجأ علماء الشيعة عبر تاريخهم إلى استخدام بعض النصوص القرآنية وتكييفها بما يناسب فكرتهم المتعلقة بعقيدة الإمامة وعصمة الأئمة، وكل آية يوردونها بهذا الخصوص إنما يفسرونها بحسب تصورهم لا بحسب أصول تفسير الكتاب، وهم بذلك يصدق فيهم قوله تعالى:
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ (آل عمران 7)
أي ما تشابه من الكتاب بما يعتقدون، بأن يأخذ كلمة أو اثنتين من آية ثم يفصلونها عن سياقها ثم يعطونها معنى ثم يبنون على ذلك المعنى تصورا ومعتقدا.
ومن ذلك زعم الشيعة أن لفظ أهل البيت في الآية (الأحزاب: 32) مقصور على علي بن أبي طالب وفاطمة و الحسن و الحسين ليصلوا بعد ذلك إلى أن عليا والأئمة من ذريته معصومون من جميع القبائح بحسب منطوق واستدلال الآية السالفة، فالآية تقتضي المدح و التعظيم في ثبوت عصمة آل البيت و منهم الأئمة من جميع القبائح و الذنوب و الخطايا[3] .
والحق أن هذه الآية لا علاقة لها بعلي وأبنائه أصلا[4]، لأنها تتحدث عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وواجبهن في تبليغ الكتاب والحكمة. سياق الآية كما يلي:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ (الأحزاب: 32-34)
ولإبطال دلالة الآية على أزواج النبي كان لا بد من اختراع أحاديث تبطل دلالتها في أذهان الأتباع، فاخترع الكثير منها كحديث الكساء[5] الذي ترويه كتب الشيعة وأهل السنة على السواء.
أما حادثة استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما فهي من الأحداث الأليمة في تاريخ المسلمين و صراعاتهم الداخلية، لكن تلك المصيبة كان لا بد أن تعلمنا درسا في ضرر الفرقة والاختلاف لا أن تكون ملهمة لدوامهما، وهو ما يصر الشيعة عليه حتى يومنا فيقيمون المآتم ويمارسون العظائم من لطم بالأيدي وضرب بالسلاسل حتى الإدماء ويسمونها بشعائر الله افراء عليه.
وقد أرشد الله تعالى إلى ضرورة الصبر عند وقوع المصيبة واعتبر ذلك من علامات الإيمان. قال تعالى:
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة، 156)
فالقول الذي يرضي الله تعالى (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ومن قالها استحق صلاة الله عليه بأن ينزل عليه الرحمة والسكينة.
وفي هذا السياق يروى عن نبينا الكريم أنه قال:
“مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَفْزَعُ إِلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَعَوِّضْنِي مِنْهَا إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَعَاضَهُ خَيْرًا مِنْهَا”[6] .
ولا يجوز إظهار الجزع والتصرف بما ينافي الصبر كاللطم والنواح وضرب النفس بالسلاسل عند وقوع المصيبة فكيف بعد قرون منها. وفي هذا يقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ”[7]
لأن هذه الأفعال من العلامات الظاهرة لعدم الصبر.
لقد بكى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فراق ابنه ابراهيم وقال:
“إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ”[8].
فالقول الذي يرضي الله تعالى عند وقوع المصيبة هو لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم إن النبي لم يجعل من ذلك اليوم مناسبة سنوية ليقيم المآتم ويظهر الحزن، ولنا فيه القدوة الحسنة، والخروج عن هديه هو المصيبة ذاتها.
وما ينبغي الإشارة إليه أن اقامة المآتم بهذه المناسبة هو إعادة إنتاج للتاريخ وتذكير بالفتن. والأصل بالمسلم أن يعيش حياته وفقا لكتاب ربه وليس وفقا لأهوائه وتعصبه لرأيه. وقد يقول قائل إننا نقيم المآتم حزنا على حفيد رسول الله. والحق أن المآتم وتخليد الحزن ليسا من أخلاق المسلمين حتى لو كان الفقيد نبيا.
ولو كانت المآتم على من قضوا من الأنبياء والصالحين أمرا حسنا لفعله نبينا الكريم على الذين قضوا قبله من إخوانه الأنبياء، أو على من مات شهيدا من الصحابة كعمه حمزة، لكنه لم يفعل لعلمه أن ذلك منافيا للصبر الذي أمر الله تعالى به في كل حال وحين.
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة د. جمال نجم (الشيعة والتشيع في ميزان القرآن الكريم) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=7836
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كامل مصطفى الشيبي، الصلة بين التصوف والتشيع، ص ١١ – ١٤
[2] محمد باقر الصدر، نشأة التشيع والشيعة، ص 16
[3] الطبرسي، مجمع البيان ، ج1/50 .
[4] انظر عبد الله القيسي، أهل البيت في القرآن، موقع حبل الله https://www.hablullah.com/?p=7624
[5] روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا محمد بن مصعب، قال: حدثنا الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع، وعنده قوم، فذكروا عليا، فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة رضي الله تعالى عنها أسألها عن علي، قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله تعالى عنهم، آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا، وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه – أو قال: كساء – ثم تلا هذه الآية: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ [الأحزاب: 33] وقال: ” اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق “» «مسند أحمد» (28/ 195 ط الرسالة)
[6] سنن ابن ماجه ، رقم الحديث 1587
[7] البخاري، 1294 ومسلم 165 – (103) وغيرهما من أصحاب السنن
[8] البخاري، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» رقم الحديث 1303 ، وأخرجه مسلم في الفضائل باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، رقم الحديث 2315