السؤال:
نرى هذه الأيام مجموعة من الشباب يتحرشون بنساء في الأماكن العامة أو يبخون امرأة أجنبية عنهم ويهربون ولا أحد يحاسبهم على فعلتهم، فهل الله يرد هذا الشيء في بناتهم أو أخواتهم؟ لأن هؤلاءِ آذوا فتيات بغير حق، فما بالكم بشعور رجالهم عندما يعرفون أن أحدا اعترض نساءهم وهم غير موجودين بسبب أن المرأة أرادت النزول إلى السوق مع أختها أو خالتها وحدهن، وهكذا
الجواب:
التحرش سواء اللفظي أو الجسدي هو من الفواحش المحرمة. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف 33)
ولا شك أن التحرش من الفواحش، لأنه هتك للأعراض التي أمر الله تعالى بالحفاظ عليها وسببٌ للزنا، ومن البغي أيضا؛ لأنه تجاوز الحد مع الآمنين.
لقد نهى الله سبحانه عن الاقتراب من الزنا، أي كل ما يؤدي إليه بقوله:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء 32]
ولا شك أن التحرش يقرب إلى الزنا، بل إلى أسوئه وهو الاغتصاب، فهو محظور بنص الكتاب، بل إن الله تعالى نهى عن النظر إلى العورات الذي هو أقل سوءا من التحرش بقوله سبحانه:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور 30-31]
وهذه الآية صريحة في تحريم بعض النظر، فكيف بمن يطلق لنفسه العنان أن يمد بصره ولسانه ويده؟ وهل هناك عاقل يقبل هذا لنفسه أو لقريبه أو قريبته؟
إن تراخي بعض القوانين الوضعية في عقاب هؤلاء قد أدى إلى انتشار تلك الفواحش في المجتمع الإسلامي، وبعضهم قد ألقى باللائمة على تبرج المرأة أو خروجها إلى السوق أو المدرسة أو غير ذلك، وبدلًا من الدعوة إلى غض البصر وصون النفس عن إلحاق الأذى بالآخرين وسن القوانين الرادعة وتطبيقها، ذهبوا ليلتمسوا الأعذار للمتحرشين الفاسدين، يقول الله تعالى لمثل هؤلاء:
﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ [النساء 109]
أما عن عقوبة المتحرش، فهي ذات شقين:
الأول: العقوبة الدنيوية التي يوقعها القضاء، حيث ينبغي أن تكون مناسبة لمدى الأذى الذي ألحقه المتحرش بالمتحرش بها. ولا ينبغي التهاون في هذا اللون من الأذى، ولا يُقبل من السلطات المختصة أن تقصر في متابعة هذه الظاهرة الخطيرة.
الثاني: العقوبة الإلهية _إن لم يبادر المتحرش إلى التوبة من الذنب وأصر عليه_، فلا يسلم العاصي منها في الدنيا ولا في الآخرة، فقد تكون في الدنيا على هيئة بلاء يصيبه في نفسه أو ماله. يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور 19]
لكنها لن تكون العقوبة ببناته أو أخواته، لأن الله تعالى لا يعذب أحدا بذنب غيره حتى لو كان أبا أو أخا أو ابنا. قال الله تعالى:
﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام 164]
ولا شك أن التنشئة السليمة لأبنائنا وتعويدهم الالتزام بآداب الإسلام من غض البصر واللباس الساتر والتعامل اللائق وكذلك تعليمهم الفضيلة والحفاظ على النفس والجسد من أيدي العابثين لهو السبيل الأمثل للحد من هذه الظاهرة التي لا تليق بالمجتمعات المحترمة فضلا عن المسلمة. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾ [التغابن 15- 16].
*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على فتوى (رأي الإسلام في ظاهرتي التنمر والتحرش) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=6505