حكم التصوير، ونشر الصور الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف نميز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة؟

السؤال:

أريد أن أسألكم حول موضوع منتشر عبر الفيسبوك وهو عدم جواز وضع المرأة صورتها على مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها حتى لو كانت متحجبة بدون أن يذكروا  الدليل الشرعي، بينما يحل للرجل ذلك، يقولون لأن المرأة سبب في الفتنة فالله تعالى خلقها حسنة الوجه؟ لكن هناك أيضا رجال حسن الوجوه وهناك أيضا نساء ينظرن لصورهم …

وهناك من يقول يجب على المرأة تغطية وجهها لأنه عورة ؟ إذا لماذا لا ترتدي المرأة النقاب في الحج أو العمرة أو حتى في الصلاة؟

وهناك أيضا من يحرم صور ذوات الأرواح، أرى شيوخا يصورون مقاطع فيديو ويقولون حرام التصوير وهم بحد ذاتهم يصورون ويقولون هذا فيديو حلال أما الصورة الجامدة فهي حرام!! لكنه يمكن أن يأتي شخص ويوقف الفيديو فتصبح صورة حرام!؟ ثم يضغط لإكمال الفيديو فيصبح حلال!؟ فكيف يكون هذا؟ حقا عقلي تشوش من التفكير!!

وأيضا أريد أن أسألكم كيف أعرف متى يكون حديث الرسول صحيحا وليس محرفا؟ لأنني أجد أحاديث توقف لي عقلي ولا أجد لها مؤيدا أو أصلا في القرآن، وإذا تكلمت وقلت أن الحديث ضعيف يقولون لي أذهبي وتفقهي في دينك، حتى يظنون أنني كافرة !! أرجو الإجابة وشكرا لكم.

الجواب: إن كل المسائل التي ذكرتها السائلة الكريمة نستطيع أن نرد عليها بقوله تعالى:

﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ، أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ، نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ الأنعام (151)

فلا يستطيع أحد أن يحرم ما أحله الله تعالى، وإن فعل فقد افترى عليه الكذب:

﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ النحل (116).

• والقول بأن المرأة سبب الفتنة وأن من ينظر إليها في الطريق يأثم، وأن تغطية وجهها بالنقاب لأنه عورة كل ذلك مجرد أراء لا دليل عليها من كتاب الله تعالى، ولا تعبر إلا عن قائلها، فليس هناك دليل على وجوب تغطية المرأة وجهها، بل الأدلة من كتاب الله تعالى على كشف الوجه[1].
• أما بالنسبة لغض البصر فقد أمر الله تعالى به الرجال والنساء على السواء، قَالَ تعالى:

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ النّور (31)

إذا نشرت المرأة صورتها متبرجة متزينة فهي آثمة لعدم امتثالها أمر ربها عند ظهورها على الأجانب، وليس التحريم للتصوير نفسه، وإنما لإبدائها ما يجب إخفاؤه من زينتها، وذلك لأن بدن المرأة زينة في حد ذاته لا يصح أن يظهر منه على الأجانب إلا ما تدعو الحاجة إليه كالوجه والكفين[2] ، فإظهارها لما يجب ستره من بدنها يترتب عليه إثم لمخالفتها أمر الله تعالى بوجوب الستر.

أما نشر صورتها بلباسها الشرعي فلا حرج فيه شرعا ولا تأثم بذلك، لكن علينا التنويه أن بعض الفاسدين قد يأخذون هذه الصور ويخضعونها لمعالجات معينة قد تسبب الإساءة والأذى لها ولأسرتها، ولذلك ننصح النساء لا سيما الشابات منهن بتوخي الحذر في نشر صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي كي لا يتعرضن للأذى.

• أما عن حرمة التصوير وتفريقه عن الفيديو! فالسؤال هنا:

أيهما أولى بالبحث والنظر التقاط الصور أم التجسيد وصنع التماثيل؟! ألم يذكر لنا الله تعالى قصة نبيه الكريم سليمان عندما أمر الجن بصنع التماثيل:

﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ سبأ (13)

فهل كفر النبي سليمان عندما أمر بصناعتها؟:

﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ البقرة (102)

وماذا عن المسيح عيسى بن مريم هل كفر عندما قال:

﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ آل عمران (49)

فالتصوير والرسم وصنع التماثيل لا شيء فيها ولا دليل على تحريمها بل الأدلة ناطقة بحلها[3]، وليس لأحد من خلق الله صلاحية تحريم ما أحل الله تعالى وإلا عرّض نفسه للعقاب قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (32)

ولو قال أحد أن التماثيل قد تجعل البعض يقدسونها، فيرد عليهم بأن هناك مَن يعبدون الشمس والقمر والكواكب وهناك من يقدسون البقر وغير ذلك، فهل علينا الحكم بتحريم وجودها أو رعايتها ومن ثم العمل على القضاء عليها!!

• وأما عن معرفة الفكر الصحيح من غيره، فقد نبأنا العليم الخبير بعدم الاغترار بالكثرة وأنها ليست دائمًا دليلًا على الصحة قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة (100).

وطالبنا أن نضع كل ما يقال عن الله تعالى ورسله[4] مهما كان مزخرفا في ميزان الكتاب الذي بعثه الله إلينا تبيانا لكل شيء، ونهانا عن اتباع الظن حين قال:

﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ، فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ. أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا، وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ، فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ الأنعام (112: 114)

وعلى السائلة الكريمة ألا تجعل مَن يتبعون الظن يثنونها عن التدبر والتمسك بكتاب الله تعالى:

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ الأنعام (116).

ولتكن على يقين أنها ستهاجم من أقرب الناس إليها للتشكيك في إيمانها، ولذلك يطمئننا ربنا سبحانه وتعالى بقوله:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ المائدة (105)

فإن استطاعت أن تدعو غيرها إلى ما أنزل الله تعالى وإلا فعليها بنفسها ولن يضرها ضلال غيرها. والعاقبة للمتقين.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر الفتوى (النقاب/غطاء الوجه ليس واجبا على المرأة المسلمة) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=1256

[2]  انظر فتوى (إظهار المرأة زينتها) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=2935

[3]  جمال نجم (رسم ذوات الأرواح وصناعة التماثيل)  https://www.hablullah.com/?p=2613

[4]  انظر جمال نجم (متى تكون الرواية النبي حجة ملزمة) https://www.hablullah.com/?p=5191