السؤال:
سمعت أحد العلماء يقول بأنه لا ينبغي لأهل هذا الزمان الخروج عن فهم السابقين للقرآن، وليس عليهم سوى البحث في أقوالهم واجتهاداتهم في التفسير والفقه.
فهل حقا ما قاله صحيح وأن من يتصدى لفهم الآيات وبيانها يعد آثما ومتجاوزا الحد؟
الجواب:
الحق أن الله تعالى تولى تفصيل وبيان كتابه بنفسه ولم يترك تلك المهمة لأحد من خلقه:
﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 52]
﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: 17-19]
ثم بين تلك الأصول التي تمكننا من إدراك بيان الله تعالى وتفصيله للآيات في كتابه، ووعد كل من يلتزم بتلك الأصول بأنه سيصل حتما إلى التفسير الصحيح للآيات:
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]
ولم يكن من تلك الأصول الالتزام بفهم السابقين، لأن شرطا كهذا يستحيل من جهتين:
الأولى: استحالة الوقوف اليقيني على فهم السابقين، بدليل أنه يُنقل عنهم في الآية الواحدة روايات مختلفة تصل إلى حد التناقض.
الثاني: اعتبار فهم السابقين حجة على كتاب الله سيعني أنهم شركاء لله تعالى في كتابه، وهذا خطير للغاية.
في بداية سورة هود تبين الآيات أحد الأصول المهمة في فهم الكتاب وهو وجوب البحث عن تفصيل الآيات من الكتاب ذاته، معللة السبب بأنه لا يصح لأحد غير الله تعالى تفصيل كتابه، ثم بينت وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم تجاه الكتاب، وهي الإنذار والتبشير به:
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [هود: 1-2]
إذا كانت وظيفة النبي هي التبشير والإنذار بالكتاب وليس تفصيله وبيانه فكيف الحال بغيره من المسلمين في عصره أو بعد عصره؟
ما سبق لا يعني أنه لا يصح الاستفادة من ميراث السابقين (التراث)، بل علينا الاستفادة منه والاطلاع عليه لكن على بصيرة وليس تقليدا أعمى، ولا يصح أن يكون المروي عنهم حائلا دون تدبر الكتاب واستنباط الحكم والأحكام منه، لأنها وظيفة المسلمين في كل عصر.
النداء الإلهي الآتي موجه إلى كل مسلم إلى قيام الساعة:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]
فمن أعفى نفسه من مهمة تدبر القرآن وفهمه فقد حكم على قلبه بالقفل، وهذا بالتأكيد ما لا يرغب فيه مسلم عاقل.