السؤال:
رأيت فيديو قديم لأحد الدعاة يحاول أن يوصل فكرة أن الشيطان ليس سببا في كل شيء سيء نفعله أو فكر سيء يأتي على البال وأنها قد تكون من النفس، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب:
يقول الله تعالى عن الإنسان:
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]
أي طريقي الخير والشر، فإن لديه ملكة (قدرة كامنة) تمكنه من معرفة الخير والشر بنفسه. ولا شك أن الإنسان تتنازعه قوتان :
الأولى: الفطرة التي تدعوه للاستقامة دائما.
الثانية: هوى النفس الذي قد يدعوه للباطل.
فبينما يقاوم الشيطان نزوع الإنسان نحو الخير إلا أنه يزين له الباطل ويشجعه عليه.
فأصل الشر نابع من هوى النفس بينما الشيطان يزين له المعصية.
وقد تكون الفكرة السيئة في عقل الإنسان مصدرها الشيطان، لكنه يستند في وسوسته لما يعلمه من ضعف الإنسان تجاه المسألة التي تحتل حيزا في مزاجه وتفكيره:
ونضرب على ذلك المثال التالي:
لقد أدرك الشيطان ضعف أبينا آدم تجاه مسألة الخلود فجاءه من هذا الباب ووسوس له ولزوجه بأن يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكل منها بحجة أن الأكل منها سيجعلها خالدين فلا يموتا أبدا، وظل يراودهما حتى وقعا في المعصية:
﴿وَقَالَ (الشيطان) مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 20-21]
لقد قص الله تعالى علينا قصة أبينا آدم مع إبليس ليعلمنا أن الشيطان عدو مبين للإنسان، ولا ينفك عن الوسوسة له حتى الرمق الأخير. يقول الله تعالى:
﴿يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: 27]
ثم حذر من اتباع خطواته:
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168]
ثم أمر باتخاذ الشيطان عدوا:
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر: 6]
وفي قصة ابني آدم دليل على النوع الأول من عمل الشيطان، إذ أن حسد قابيل لأخيه دعاه للتفكير بقتله، وهنا كانت الفرصة سانحة للشيطان لتزيين هذا الشر في نفس القاتل، فكان أساس الخطيئة نفس قابيل الأمارة بالسوء، بينما كان عمل الشيطان هنا أن يزين له قتل أخيه:
﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 30]
فنفس الإنسان قد تأمره بالسوء خلافا للفطرة وتناقضا مع مقتضى العقل، فعندما يستسلم الإنسان للنزوع النفس ويقدمها على العقل يكون أقرب إلى الخطيئة. يقول الله تعالى بلسان يوسف واصفا النفس البشرية عموما:
﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ [يوسف: 53]
وينبغي التنويه هنا أنه ليس للشيطان سلطة على الإنسان سوى الوسوسة وتزين المنكر، فلا سطلة إلزامية له على الإنسان، ويوم القيامة يُذكِّر الذين اتبعوه بهذه الحقيقة التي طالما تجاهلوها:
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [إبراهيم: 22]