السؤال:
قلتم في مقالة (ضرب الزوجة) أن الضرب في القرآن لا يعني الإيذاء الجسدي. فماذا عن هذه الأحاديث:
1_ (لا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ” , قَالَ : فَجَاءَ عُمَرُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ مُنْذُ نَهَيْتَ عَنْ ضَرْبِهِنَّ ؟ فَأَذِنَ لَهُمْ ، فَضَرَبُوا ، فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَقَدْ أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَشْتَكِي زَوْجَهَا ، وَلا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ”).
2_ (مَا حَقُّ امْرَأَتِي عَلَيَّ ؟ قَالَ : “تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلا تَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلا تُقَبِّحْ ، أَوْ لا تَهْجُرْ ، وَلا تَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْت”).
٣_ (وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ).
و شكرا لكم
الجواب:
هذه الروايات فيها إشكالات كثيرة من جهة المعنى لأنها تخالف نصوص القرآن الكريم والفطرة والواقع، فالآيات تدعو إلى حل المشكلات الاجتماعية بمزيد من الصبر والحلم والصفح والعفو، ومن ذلك قوله تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ، وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14]
هذه الآية تبين أن حالة العداء موجودة في الأسرة الواحدة، والمقصود بالعدو في الآية هو من يتجاوز حده فيتدخل بمساحة الآخرين، وأكثر ما يحصل هذا في الأسرة الواحدة لكثرة الاحتكاك وتشابك المصالح بين أفرادها. والآية توجه الزوجين خاصة إلى أن يعفوا ويصفحوا ويغفروا زلات وأخطاء بعضهم بعضا باعتبار ذلك السبيل الأمثل للحياة الكريمة المستقرة.
وقد كان نبينا الكريم الأسوة والقدوة الحسنة في ذلك، فقد روي عنه أنه لم يضرب بيده الشريفة أحدا من الناس؛ لا زوجة ولا ولدا ولا حفيدا ولا سواهم، وكان ينهى عن الإيذاء الجسدي واللفظي أيا كان شكلهما، فهل يمكن أن يمتنع هو عن فعل ثم ينهى عنه مرة ويأمر به مرة أخرى؟. هذا غير ممكن بالطبع.
كيف يمكن للنبي أن يقول (لا تضربوا إماء الله) بعد أن نزل عليه (واضربوهن) إن كان الضرب بمعنى اللطم والإيذاء الجسدي؟، إلا إذا كان الضرب في الآية ليس بمعنى الإيذاء الجسدي فيكون معنى قوله عليه السلام (لا تضربوا إماء الله) هو حكمة مستنبطة من كتاب الله تعالى، لكن تكملة الحديث تنقض أوله لأنه _بحسب زعم الرواية_ أذن بالضرب/الإيذاء الجسدي بعد شكوى عمر رضي الله عنه، فهل لهذا الحد يمكن للنبي أن يخالف القرآن وهو المأمور بتبليغه وتعليمه للناس والحكم به بينهم؟
كيف يمكن أن يكون ضرب الزوجة (إيذائها جسديا) وسيلة لإصلاحها والله تعالى يأمر بالدفع بالتي هي أحسن؟ يقول الله تعالى:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]
هل يمكن أن يكون اللطم والصفع دفعا بالتي هي أحسن؟ أم أن الدفع بالتي هي أحسن هو الصفح والغفران وتجاوز الأخطاء كما ترشد إليه العديد من الآيات؟ ألم يرشد الله تعالى إلى العفو باعتباره هدفا ساميا يحقق الإصلاح وسببا لعفو الله تعالى:
﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22]
هل التجارب الحياتية تدعم كون الضرب (بمعنى اللطم والصفع) سبيلا مناسبا للإصلاح، أم أنه يسرع في خراب البيوت؟
كيف لا يكون مَن يضربون زوجاتهم من خيار الناس إن كانوا ينفذون أمرا قرآنيا بحسب المعنى الذي يتبنّونه لكلمة (واضربوهن)؟
أمام هذه التساؤلات المحقة يتبين لنا أن هذه الروايات إما أن تكون مفتراة بأصلها أو أنه دخل عليها التحريف بحيث خرجت عن مقاصدها.