السؤال:
لقد قرأت من موقعكم _جزاكم الله خيرا_ عدة مقالات حول علم الله والقدر وأثرت بي كثيرا وكأني وجدت جوابا لعدة أسئلة كانت تراودني وتحيرني. ولكن بقي سؤال لم أجد له جوابا: إذا كان الله سبحانه لا يعلم أعمال العباد قبل وقوعها فكيف بشَّر سبحانه بنبينا محمد صلوات ربي عليه، وقد كانت هناك علامات عند أهل الكتاب على مكان ظهوره وغير ذلك؟ ولأني اعتقدت إلى الآن بأن السبب هو أن نبينا محمد خاتم الأنبياء أعرف العارفين وخير الخلق، فبه انتهت الشرائع ولن يأتي بعده من هو أفضل منه..
وأيضا كيف رأى يوسف عليه السلام وهو غلام الرؤيا بأن أحد عشر كوكبا ساجدين له وقد تحقق ذلك.
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.
نسأل الله أن يلهمنا ويلهمكم الصواب ويهدينا الصراط المستقيم
الجواب:
الله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فالله تعالى يعلم كل ما هو كائن وكل ما سيكون، فهو سبحانه يعلم متى سيخلق شخصا بعينه ويعلم من سيختارهم للنبوة، فهي محض اصطفاء واختيار من الله تعالى، فهذا العلم ليس متعلقا بأفعال العباد أصلا وإنما بما يريد الله تعالى فعله ويقرره.
وقد يخبر الله تعالى عن أحداث ستقع، كفتح مكة، وعلو شأن يوسف حتى يجله إخوته، وهذه الأحداث ستقع حتما كما أخبر سبحانه، لكن هل سينجح الممتحنون بتلك الأحداث أم يفشلوا، فهذا متعلق بأفعال العباد التي هي محل التكليف، وقد اختار سبحانه أن لا يعلمها مسبقا، ولا يوجد آية قرآنية تقول بأن الله تعالى يعلم ما سيقوم به الإنسان سلفا مما يقع في دائرة تكليفه، بل هناك آيات يُفهم منها العكس، منها قوله تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (محمد 47/ 31)
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران 3/ 142)
﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ (البقرة 2/143)
﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ (آل عمران 3/140)
نفهم من مجموع الآيات أن الله تعالى اختار أن لا يعلم أفعال المكلفين مسبقا، لأن ذلك من ضرورات نزاهة الامتحان، فعدم علمه سبحانه بأفعال المكلفين سلفا لا يدل على قصور علمه سبحانه و (حاشاه) بل على مشيئته بجعل الإنسان مكلفا ومسؤولا عن أعماله ومحاسبا عليها.
وقوله تعالى ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (يونس 10/14) دليل على علمه بفعل العبد عند وقوعه، لأن الآيات التي سقناها آنفا تدل على أن علم الله تعالى بأفعال المكلفين يتحقق عند صدور تلك الأفعال منهم.
وأما القول بأن الله تعالى يعلم بأفعال المكلفين قبل ولادتهم ومنذ الأزل فسيؤدي إلى القول بأن البشر مسيرون لا مخيرون، وهذا يُبطل مفهوم التكليف من أساسه، ويجعل من تنزيل الشريعة على البشر لا لزوم له وأنه من باب العبث، (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا).
خلقُ محمد صلى الله عليه وسلم بعينه وفي زمن معين واصطفائه للنبوة كان بعلم الله المسبق، لذلك بشر به في كتب الأنبياء السابقين، وذاك الاختيار والاصطفاء لا علاقة له بالامتحان أصلا، فهو اختيار الله تعالى المطلق الذي وقع على نبينا الكريم دون أن يكون له رأي فيه.
لكن نجاح محمد بن عبد الله في أداء الرسالة فكان من ضمن التكليف له، لذا لم يقع في علم الله المسبق،
فنبينا الكريم كان يجاهد نفسه ليصبر على ما حُمّل من هذا التكليف العظيم، والأوامر القرآنية في هذا الشأن كثيرة جدا، ومنها:
﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ (القرآن) جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]
﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الحجر: 94]
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 73-74]
*وللمزيد من التفاصيل حول الموضوع ننصح بقراءة مقالات أ.د عبد العزيز بايندر التالية:
معركة بدر والقدر https://www.hablullah.com/?p=5206
كتابة الأجل https://www.hablullah.com/?p=2549
دلالة قوله تعالى (فينظر كيف تعملون) https://www.hablullah.com/?p=7038
هل يعلم الله تعالى أفعال العباد قبل ولادتهم؟ https://www.hablullah.com/?p=7021
أسعد الله أوقاتكم حبايبنا
وجزاكم الله خير الجزاء فيما تقدمونه في سبيله
هناك آية استوقفتني في نفس الموضوع
وهي قوله تعالى { إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةࣲ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَجِیهࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٤٥]
هل الله سبحانه وتعالى اطلع على أعمال عيسى ابن مريم عليه السلام فعلم أنه سيكون من المقربين أم أنه ألزمه وحفظه من المعاصي فإذا ليس له حظ كما تفضلتم سابقا في الثواب لأنه مجبر على هذا .
أفيدونا بارك الله فيكم..
أسعدك الله في الدارين وبارك فيك وفي أهلك
الأنبياء كلهم يصطفيهم الله تعالى ويكلؤهم بالرعاية، وهذا يعينهم على تحمل المشاق في سبيل الله تعالى الذي أكرمهم وأيدهم
أما المسيح فله خصوصية زائدة، فهو كلمته ألقاها إلى مريم، وقد نزل من بطن أمه نبيا يحمل الكتاب ويعلمه للناس، فيكف لا يكون من المقربين؟
وكيف لا يمكن الحكم بنجاحه في المهمة التي أوكلت إليه بعد كل تلك الرعاية الإلهية
لا شك أن الله تعالى الذي خلقه على نحو خاص يعلم إمكانياته، لذلك حكم أنه سيكون من المقربين