السؤال
أبي وأمي يجبرونني على الصلاة وقص الأظافر في مقابل أشياء مادية ويبررون ذلك بأنهم سيحاسبون عليَّ.
أليس المفروض أنهم سيحاسبون على إخباري بأمور الدين وأنا من سيُجازى على فعلها أو لا وأنهم بريؤون من أفعالي؟
الجواب:
في البداية: فإن ما يفعله الوالدان في هذه المسألة لا يُعد إجبارًا لابنتهما على الصلاة، ولكنه تصرف من منطلق الشعور بالمسؤولية والخوف عليها، فيحفزونها على أداء الصلاة وترك الزينة – سيأتي الحديث عنها لاحقًا – عن طريق المال أو الهدايا، فهم لا يستخدمون أسلوب الترهيب أو التخويف والعقاب حتى نسميه إجبارًا وإكراهًا.
وعلى الرغم من أنهم لا يجبرونها ويستخدمون أسلوب الترغيب ولكنهم قد أخطأوا في كيفية التحفيز إذا أن هذا الأسلوب ربما يفيد في مرحلة الطفولة كنوع من التحبيب في العبادات، أما في مرحلة الصبا والشباب فإن الأولى بهم أن يرسخوا فكرة أن الصلاة وكافة الأوامر الربانية لا تعود بالنفع أو الضرر على رب العالمين وإنما هي لمصلحة الإنسان نفسه من أجل تهذيب خُلقه وتزكية نفسه عن فعل الفواحش والمنكرات:
﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ العنكبوت (45)
ومن هنا فإن مقيم الصلاة ومؤدي المناسك والعبادات لا ينتظر الشكر عليها من الناس، إذ أن النفع في المقام الأول سيعود عليه وعلى مجتمعه تبعا.
أما السؤال فيتعلق بأمرين:
الأول: بالمسؤولية عن الآخر، وسواء أكان الأمر ركنًا عظيمًا وكتابًا موقوتًا كالصلاة أو غيرها من الفروع فليس لأحد _أيًا كانت مكانته وصلته_ أن يجبر أحدا عليها حتى الرسلُ والأنبياء:
﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ الغاشية (22).
وتقف المسؤولية عند حدود التبليغ والتذكير بالأسلوب الأمثل قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل (125)
فها هو لقمان الحكيم يعظ ابنه بلطف مستخدمًا أسلوبه اللين الودود:
﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ، إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ لقمان (17)
فترغيبه جاء بذكر حسن الجزاء في الدنيا والآخرة من رب العالمين.
إذ إنه لا حساب عند الله تعالى ثوابًا أو عقابًا إلا بالاختيار، فلا بد أن يكون الإنسان مخيرًا في أفعاله وأقواله:
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ البقرة (256)
وتقع المسؤولية على غير المباشر بالذنب إن تسبب في إغواء وتضليل الآخر فيشترك معه في العقاب، قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ النحل (25)
مع الانتباه أن حمل الوزر لا يعفي الشخص الذي ضل من المسؤولية ولا يدفع عنه العقاب قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ، قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (38).
وإن استطاع أحد أن يكره الآخر في الظاهر بفعل أو قول فإن القلب لا يملك أحد من البشر السيطرة عليه ولذلك قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه:
﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ النحل (106)
وخير مثال على ذلك هو نبي الله إبراهيم؛ فرغم كل محاولات أبيه لردعه وزجره بشتى طرق (مريم 46) إلا أنه لم يستطع أن يمنع قلبه عن الإيمان (الصافات 84).
وهذا من واسع فضله تعالى أن جعل قضية الإيمان والتسليم له سبحانه قضية متعلقة بالقلب، وهو الشيء الوحيد الذي لا سلطان لإنس ولا جان عليه، فإذا خشع القلب وسلًّم لربه سلِمت جوارحه، ولا اعتبار لعمل الآباء ولا الأبناء، ولا يفيد المال في جلب الإيمان قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الشعراء (88_ 89).
وعلى ذلك فإن صلى المرء إرضاء لأبويه أو طلبًا للمال أو الهدايا فلا يقبل منه، وهؤلاء توعدهم ربهم في قوله تَعَالَىٰ:
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ النساء (142)
إذ أن الخشوع هو ركن الصلاة الأهم:
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون (2)
وهو لا يتأتى بالإكراه أو حتى بالتحفيز وبذل المال.
- الثاني: مسألة الزينة من تطويل الأظافر أو الاهتمام بالمظهر العام، فهذا ليس محرمًا حتى يحفز الآباء بناتهم على تركها قَالَ جَلَّ في عُلاه:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (32)
والإناث ينشأن بالفطرة على حب الحلية والزينة، وعلى الآباء مراعاة ذلك الأمر فلا يضيقوا عليهن ما دمن يفعلنه في حدود المعروف، فقد أباح الله تعالى للنساء إظهار بعض الزينة حتى أمام الأجانب بقوله سبحانه:
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ النّور (31)
وعلى ذلك فليس من حق أحد أن يحرم ما أحله الله تعالى سواء بالترهيب أو حتى بالترغيب حتى لا يوقع نفسه تحت قوله تعالى:
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ النحل (116)
ويمكن للأب أن يشرح عن المضار الصحية لتطويل الأظافر مثلا أو غيره من السلوكيات المرتبطة بالتزين، لكن لا يقول بحرمة مثل هذه السلوكيات حيث لا نص في تحريمها فيضيق ما وسع به الشرع.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد