السؤال:
إذا كان الجهاد في سبيل الله يعني قتال الكفار، فكيف يمكن تحقيق ذلك في العصر الحالي؟ وهل وجود حالة السلم مع غير المسلمين يعني أننا تركنا واجب الجهاد في سبيل الله تعالى؟
الجواب:
الجهاد هو مصطلح يعني السعي وبذل الجهد والكفاح والعمل الشاق لتحقيق هدف معين، وأصل الجهاد من “جهد” الذي يعني استخدام كل الإمكانيات المتاحة لتحقيق الهدف. لهذا فإن مفهوم الجهاد يشمل عبادة الله تعالى كهدف يحقق السعادة في الحياة والفوز في الآخرة، كما يشمل السعي لتطبيق قوانين الله في حياة الفرد والمجتمع، ودعوة الآخرين إلى الإسلام، والدفاع عن المسلمين ودولتهم ضد أي خطر أو هجوم. بناء على ما سبق فإنه يمكن تحقيق الجهاد بالالتزام بما أمر الله تعالى في بناء الفرد والمجتمع ودفع الأخطار التي تهدد كيان الفرد والجماعة.
يجب أن ينظر إلى الجهاد كمصطلح شامل، لأنه يشمل الكفاح المسلح أي الحرب ضد المعتدين، ولكنه لا يقتصر فقط على الحرب كما يظن البعض، لأن الحرب حالة اضطرارية يلجأ المسلمون إليها عندما يتعذر عليهم دفع الأخطار بغيرها، فهي ليست الحالة الأصلية في علاقة المسلمين بغيرهم، بل السلم هو الحالة الأصلية كما يظهر من الآيتين التاليتين. يقول الله تعالى:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8-9]
الكلمة المستخدمة في القرآن الكريم للجهاد بمعنى الحرب هي “القتال/الحرب”. والدليل الأكبر على أن الجهاد لا يعني فقط القتال/الحرب هو الآية التالية:
﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ (القرآن) جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52] .
الجهاد بالقرآن ليس استخدامه كسلاح بالطبع. بل بتبليغه ومحاججة المخالفين به والتعامل معهم وفقا لأحكامه في السلم والحرب. بالتالي، يُعتبر جهد المسلم المتعلق بإعلاء كلمة الله جزءًا من مفهوم الجهاد. فليس من الضروري دائمًا أن يكون القتال ضد العدو حدثًا محتملًا. لكن جهاد الإنسان ضد هواه والشيطان لا ينقطع ما دام على قيد الحياة. بمعنى آخر، يُطلق اسم الجهاد على كل ما يقوم به المرء لإرضاء ربه سبحانه، سواءً كان ذلك بالمال أو بالنفس أو بالعمل… فالجهاد هو القيام بكل ما هو مطلوب منا شرعا في المكان والوقت المناسبين وبأفضل الطرق للوصول إلى الغاية الأسمى وهي إرضاء الله تعالى.
والذي يجب علينا كمسلمين اليوم، هو أن نعيش على النحو الذي أرشدنا إليه الله تعالى، وأن نبذل قصارى جهدنا لفعل الخير. وسبيلنا لذلك هو فهم القرآن وتطبيقه، وأن نتحد كمسلمين حول القرآن. إذا تحقق ذلك، سيمنحنا الله النجاح العظيم في جميع المجالات. وهذا هو وعد الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]
كما يجب علينا التفكير مليا في الآيات التالية والعمل وفقًا لها:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: 55-56]
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]
﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41]
﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103]
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصف: 10-13]
*وللمزيد حول كيفية التعامل مع غير المسلمين ننصح بالاطلاع على المقالات التالية:
التعامل مع المخالفين في الدين وفقا للميزان https://www.hablullah.com/?p=2765
قتال المشركين https://www.hablullah.com/?p=1416
قتال المخالفين في الدين https://www.hablullah.com/?p=7270
التسامح و التحمل (التعايش) https://www.hablullah.com/?p=1735