السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
هل الفتاة التي ترتدي الحجاب أو تفكر في ارتدائه لكنها تشعر بالحزن فهل هذا من الشيطان أم هذا شيء طبيعي كونها فتاة تحب الزينة؟ وهل مصافحة الفتاة لخطيبها والعناق يعتبر من مقدمات الزنا؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
في البداية علينا أن نفرق بين الشيء الطبيعي (المعتاد والمتوقع حدوثه)، وبين الشيء الطبيعي الذي يعني (طبيعة الإنسان وفطرته)، وسوف يتضح الفرق في الإجابة عن السؤال الأول المتعلق بالشعور بالحزن عند ارتداء الحجاب إذا ما كان شيئًا طبيعيًا أم أنه من الشيطان؟!
فنجد الجواب في قوله تعالى على لسان إبليس:
﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ الأعراف (16)
فالشيطان عندما أقسم على غواية أبينا آدم وذريته قد اختار الصراط المستقيم ليصد الناس عنه، إذ لا حاجة له فيمن انحرف عنه، فنجده يقول: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) حيث أدرك إبليس أن ما كان سببًا في غوايته من شعوره بالأفضلية وحب الزينة والتملك هو نفسه ما سيكون السبب في غواية البشر، وكما أنه رسب فيما اختبره الله تعالى به حيث فسق واستكبر عن أمر ربه فهو يريد ذلك لبني آدم، لذا فهو يعلم مداخل الإنسان جيدًا؛ فيعلم حب الرجال للملك والنساء فيدخل لهم منها، ويعلم حب المرأة للزينة فيدخل لها منها. وقد بيَّن لنا سبحانه وتعالى ذلك في قوله:
﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ﴾ طه (120)
وكذلك في قول إبليس:
﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الحجر (39).
فيوسوس الشيطان للمرأة أن الحجاب قد يقلل من جمالها أو أناقتها في أعين الناس أو يجعلها غير مرغوبة لفئة معينة من الرجال أو أنه سيعوق حركتها وطموحها – نظرًا لأن بعض فرص العمل تضع عدم الحجاب كشرط لقبول العمل لديها – فيعدها بالفقر أو القبح وأن سعادتها تكمن في حريتها من تلك القيود، وقد بين الله تعالى أن هذه الوساوس هي من وحي الشيطان:
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة (268)
ولذلك فإن ما يحدث للسائلة الكريمة ليس شيئًا طبيعيًا بمعنى أنه فطري كون المرأة تحب الزينة؛ لأنه على الرغم من حب المرأة للزينة لكن الله تعالى فطر الإنسان بشكل عام على حب الطاعة، وفطر المرأة خاصة على حب العفة والحياء وعدم إبداء الزينة إلا في أضيق الحدود فقال تعالى:
﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ النساء (34)
﴿وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ الحجرات (7)
وبيَّن لنا أن الإنسان الراشد هو من يتّبع فطرته فيسكن فيه حب الإيمان الذي أودعه الله تعالى في قلبه، وأنه لا يخاف شيئًا في سبيل تحقيق ذلك مما يخوف الشيطان به من يتولونه:
﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران (175)
وهنا يتضح أن ما تشعر به السائلة الكريمة من الحزن هو شيء طبيعي أي متوقع حدوثه من وحي الشيطان فعليها اجتنابه، لكنه ليس طبيعيا بمعنى أنه فطري.
وهنا ملمح هام تجدر الإشارة إليه، وهو أن الشيء المنهي عنه دائمًا يكون فيه شيء مرغوب، ومثال ذلك النهي عن شرب الخمر والميسر:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ البقرة (219)
فالله تعالى بيَّن أن تلك الأشياء المحرمة يحصل فيها بعض النفع وليست مضرة على إطلاقها، وأن هذا النفع اليسير لا ينبغي أن ينجرف وراءه الإنسان متجاهلا ضرره في دينه ودنياه، وهذا يحتاج من العبد مجاهدة النفس والشيطان ليهديه ربه سبيل الحق كما بيَّن في وعده التالي:
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت (69).
وأما بالنسبة للعناق بين الخاطبين فلا يُسمح به ما دام لا يوجد عقد نكاح بينهما، وهو بالفعل يعد من مقدمات الزنا. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ الإسراء (32)
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن﴾ الأنعام (151)
وأما مصافحة الفتاة لخطيبها فالأولى تركه أيضا، لأنه لا ينصح بالتلامس بين رجل وامرأة أجنبية عنه.
وإن كانت المصافحة بين الجنسين من المتعارف عليه في بعض البلاد ولم يكن الرجل متعمدًا لمس يد المرأة بشهوة فلا يندرج تحت الحرام، ولكنه قد يعد من اللمم. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ، إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ، فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ النجم (32).
واللمم يكفره الاستغفار والعمل الصالح بخلاف الكبائر التي لا يكفرها إلا التوبة النصوح.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد