النقود
النقود، هي وسيلة الدفع، التي يمكن ادخارها ثروةً، ويمكن أن تكون ثمنًا للأشياء. يطلق عليها النقود المعدنية إذا كانت مضروبة من المعدن، والنقود الورقية إذا كانت مطبوعة من الورق. والنقود التي تستعمل بواسطة الشيكات أو تنقل من حساب إلى آخر عن طريق التحويلات تدخل تحت النقود الورقية.
النقود المعدنية
تضرب النقود المعدنية من الذهب والفضة وغيرهما من المعادن. وفي المصادر الفقهية يطلق على ما كان من الذهب اسم “الدينار” وعلى ما كان من الفضة اسم “الدرهم”. ويقال فلسا على ما كان من المعادن الأخرى مثل النحاس والنيكل والبرونز. ولكل واحدة منها قيمتها النقدية والمعدنية. والدراهم والدنانير التجارية لها قيمتها النقدية كما أنّ لها قيمتها المعدنية كذلك. وعلى سبيل المثال: النقود المعدنية العثمانية ليس لها قيمة نقدية في حاضرنا. ولكن ضربخانة اسطنبول تواصل ضربها؛ لأنها تستعمل كزينة أو كعروض تجارية أو لإدخارها بدلاً من الأوراق النقدية.
وأما تبر الذهب والفضة فهو بمنزلة العروض؛ وقد جعل بمنزلة الدراهم والدنانير؛ والأمر فيه موكول إلى التعامل، فإن كان الناس يتعاملون به فهو بمنزلة الدراهم والدنانير فتجوز المضاربة به، وإن كانوا لا يتعاملون به فهو كالعروض فلا تجوز المضاربة به.[1]
فقد سئل أبو يوسف – رحمه الله – عن المضاربة بالدراهم التجارية فقال: ” لو جوزت ذلك جازت المضاربة بالطعام بمكة ” يعني أن أهل مكة يتبايعون بالطعام كما أن أهل بخارى يتبايعون بالبر بعينه.[2]
ومعنى قول أبي يوسف – رحمه الله – أن الطعام كان بمنزلة الدنانير عند أهل مكة. ولا يجوز المضاربة والمشاركة في العروض التي تستعمل بمنزلة النقود، وتجوز بالنقود مثل الدراهم والدنانير. لو قلت تجوز المضاربة بالدراهم التجارية فعلي أن أقول كذلك تجوز المضاربة بالطعام، لأنّ الدراهم التجارية هي عروض تستعمل بمنزلة النقود كالطعام عند أهل مكة.
النقود الذهبية والفضية
وفي المصادر الإسلامية يطلق على ما كان من الذهب اسم “الدينار” وعلى ما كان من الفضة اسم “الدرهم”.[3] وكان الذهب والفضة يعتبران نقودا حتى الربع الأول من القرن العشرين.
وكانت الدراهم المتداولة في المدينة ثلاثة أنواع؛ 1. الوزن بـ 10 قيراط. 2. الوزن بـ 12 قيراطا. 3. الوزن بـ 20 قيراطا. حيث بلغ مجموع وزنها 42 قيراطا. وقد تم تقسيمها إلى ثلاثة في عهد عمر رضي الله عنه، واعتبر 14 قيراطا أي بمعدل الثلث درهما شرعيا. وأفادت بعض المصادر أن الدرهم المعتبر في مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان 14 قيراطا. لذا كان الإجماع على أن الدرهم المعتبر شرعيا هو 14 قيراطا.[4]
وفي عهد عمر رضي الله عنه وزن 200 درهم 20 مثقالا، أي بقيمة 20 دينارا. وكان المعدل النسبي سبعة من عشرة. أي قيمة المثقال تساوي 10 دراهم . وكان وزن 10 دراهم 7 مثاقيل.[5] ويعبر عنها بـ “وزن سبعة”.
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، كانت النقود الذهبية تضرب في الإمبراطورية البيزنطية. وما ذكرنا سابقا من الأوزان متعلقة بالإمبراطورية البيزنطية. وقد ضُرب الدينار في الدولة الإسلامية أول مرة في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان. (65-86 هـ/ 685 – 705م).
وقد اعتبر الفقهاءُ _ في عهدهم _ الشعيرَ مقدارا للوزن. فعند الحنفية فإن مثقالاً واحداً متوسط الحجم يساوي 100 حبة شعير. كما أنّ درهماً واحداً يساوي 70 حبة شعير. وفي مقياس المالكية فإنّ ديناراً متوسط الحجم يساوي وزن 72 حبة شعير. وعند الشافعية يساوي الدينار وزن 72 حبة شعير مقطوع الرأسين وبلا قشر.
وهناك اتفاق على أن وزن الدينار لم يتغير سواء كان في العهد الجاهلي أم العهد الإسلامي.[6] لذا اعتبر الفقهاء نفس الوزن للدينار وزنا شرعيا. ومنشأ الفرق ليس من الدينار بل من الشعير الذي يوضع في الكف الآخر من الميزان. لأن وزن الشعير يختلف حسب المناطق والأقاليم والمزارع. ويختلف نصاب الزكاة بين المذاهب باختلاف الشعير الذي يؤخذ مقياسا للدينار والدرهم. ونصاب الزكاة في الذهب 20 دينارا أي 20 مثالا، وفي الفضة 200 درهم.
يوجد نوعان من الدينار البيزنطي في متحف اسطنبول للآثار؛ الأول 4.20 غرام والآخر 4.35 غرام. ويوجد كذلك عدداً من الدنانير التي ضربت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (65-86 / 685 – 705)، وعمر بن عبد العزيز (99-101. / 117-120)، ويزيد بن عبد الملك (10-105 / 724 – 743)، ووزنها يتراوح ما بين 4.15 غرام إلى 4.25 غرام. والقطر من 18 إلى 20 ملم. ويتناقص وزن العملات المعدنية بالإستعمال. ويستفيد بعض الناس السيئين من مسحوق الدنانير عن طريق الحك. لذا يمكننا القول عما كان قطره أقل من 20 ملم بأنه تناقص بكثرة الإستعمال. لأن ما كان وزنه 4.25 غرام كان قطره أصلا 20ملم.
ووزن الدراهم المضروبة في أيامنا هذه يتراوح ما بين 2.15 و 3 غرام.[7] وإذا كان وزن الدينار 4.25 غرام فيكون وزن الدرهم 2.975 غرام؛ وإذا كان وزن الدينار 4.35 غرام فيكون وزن الدرهم 3.045. لأنه يوجد معدل نسبي بين الدينار والدرهم (السبعة من عشرة). ويمكننا القول بأن وزن الدينار كان 4.35 غرام، ووزن الدرهم 3.045 ؛ لأن الدرهم الأثقل الموجود في المتحف 3 غرام، وقد تناقص وزنها بالإستعمال. والدينار والدرهم اللذان يأتيان إلى المدينة المنورة يصح أن يقبل وزن مثقال الدينار 4.25 غراما ووزن الدرهم 2.975 غراما، هذا بالنظر إلى تناقصهما بالإستعمال. وعلى هذا فوزن 20 مثقالا التي هي نصاب الزكاة يكون 85 غراما من الذهب و200 درهم من الفضة ويكون وزنها 595 غرام.
لو اعتبرنا الدينار الذي وزنه 4.35 هو الأساس فيكون نصاب الزكاة 87 غراما من الذهب و 200 درهم من الفضة ووزنها 609 غرام.
وقد جعل عمر نصوحي بلمان وزن المثقال 4.007 غراما ووزن الدرهم 2.805 غراما حسب معيار الشعير. [8] وعلى هذا يكون نصاب الذهب 80.14 غراما. ونصاب الفضة 561 غراما. وجعلت وزارة الشؤون الدينية التركية نصاب الذهب 80.18 غراما وقد اعتبرت أن وزن 200 درهم فضية 561.26 غراما اعتبارا لمعيار الشعير. وعلى هذا يكون وزن الدينار الواحد 4.009 غراما ووزن الدرهم الواحد 2.806 غراما.[9]
وهذه التحديدات تعود إلى حين كانت فيه وحدة من الذهب تساوي 7 وحدات من الفضة. وقد تغيرت قيمة أحدهما تجاه الآخر بمرور الزمن لصالح الذهب. فالتسعير الذي أعلن يوم 18 من شهر أيّار مايو سنة 2006 ميلادية، كان سعر المبادلة لغرام من الذهب عيار 24 بـ 32.60 ليرة تركية. وسعر المبادلة لغرام من الفضة عيار 900 بـ 0.624 ليرة تركية. وهذا يعني أن قيمة وحدة الذهب قد ارتفعت إلى 52.24 وحدةً من الفضة.
وكانت أجرة ضرب النقود الذهبية والفضية واحد في المائة أو أقل.[10] ، وما كان يجعل المضروب من النقود الذهبية والفضية أعلى قيمة من التبر هو تكاليف الضرب كما أن لها مزية تشعر من يمتلكها بالثقة. ومن ناحية أخرى فأن هذه النّقود تتناقص بالإستعمال، ومع ذلك فأن قيمتها النقودية الواجبة لم تكن بعيدة من قيمتها المعدنية.[11] ومن يملك الذهب والفضة كان بإمكانه أن يحوله إلى المضروب بشرط دفع أجرة الضرب.[12]
النقود الذهبية والفضية بعيار منخفض
وتكثر الحاجة إلى الذهب والفضة لرفع حجم النقود الذهبية والفضية. ويمكن رفع الحجم بإضافة المعادن الأخرى إلى الذهب والفضة. ويعتبر الذهب والفضة نقودا إذا كانت المعادن المضافة إليهما قليلة. ويقال عما كان من الفضة درهما وعما كان من الذهب دينارا. ولم تكن الضربخانة تضرب للأشخاص من الذهب والفضة بعيار منخفض.[13]
وإذا كانت المعادن المضافة أكثر من الذهب والفضة يأخذ اسم “النقود المغشوشة، وتُقَوَّم مثل المفلس.[14]
الفلوس
الفلوس جمع فلس؛ وهي تضرب من المعادن غير الذهب والفضة مثل النيكل والنحاس والبرونز، وتكون قيمتها الذاتية أقل من قيمتها النقودية الرواجية. وتفقد قيمتها النقودية بخروجها عن نطاق التداول. وتبقى قيمتها المعدنية فقط. الدولة هي وحدها صاحبة الحق في ضرب الفلوس.
والفرق بين القيمة الحقيقية والقيمة الرواجية هو مصدر هام من مصادر الدخل؛ لأنه يعتبر دخلاً للخزينة. وقد كان تأثير الفلوس على الإقتصاد محدوداً ، كما أنها لا تستعمل إلا في ساحات ضيقة. وقد اتفق الحنفية[15] والشافعية[16] والحنابلة[17] على أن الفلوس لا تصلح أن تكون رأس مال في المضاربة. وخالفهم المالكية والإمام محمد بن الحسن من علماء الحنفية.[18]
ويلزم قبول الفلوس في حدود معينة. فلا تصلح لدفع مبالغ كبيرة. فمثلا قانون توحيد المصكوكات المؤقت الصادر في 8/ 4/ 1916م ينص على أن الفلوس المضروبة من نيكل تقبل في حدود 50 قرشا.[19] و50 قرشا تساوي نصف دينار من الذهب، حيث كان الدينار في ذلك الوقت يساوي 100 قرش.
[1] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، جـ 6 / صـ 82 . بيروت.
[2] المبسوط، جـ 22 صـ 21 المضاربة.
[3] تحفة المنهاج، جـ 6/ صـ 82.
[4] عمر نصوحي بلمان، المرجع السابق جـ 4/ صـ 112-122.
[5] أحكام القرآن للجصاص، باب الدية من غير الإبل، جـ 7/ صـ 237.
[6] تحفة المحتاج، جـ 3/ صـ 264.
[7] قائمة الصكوك الإسلامية لإبراهيم و جورية أرتوق، جـ 1/ صـ 2، 10، 11، 14، 15-30.
[8] قاموس الحقوق الإسلامية ، ج، 4/ صـ، 122.
[9] تعميم وزارة الشؤون الدينية رقم 7 بتاريخ 26.11.1980.
[10] أصول الصكة للدولة العثمانية، سلنامئي عثمانية، سنة 1333-1334. سنَئِي مالية ص. 406 استانبول سنة 1334.
[11] تحفة المحتاج، جـ. 6 / صـ. 83.
[12] أصول الصكة للدولة العثمانية، سلنامئي عثمانية، سنة 1333-1334. سنَئِي مالية صـ. 395 استانبول سنة 1334.
[13] أصول الصكة للدولة العثمانية، سلنامئي عثمانية، سنة، صـ. 406.
[14] تنبيه الركود على مسائل النقود، لمحمد بن عمر بن العابدين استانبول 1319، ج. 2 / صـ. 62.
[15] المبسوط، جـ. 22، صـ. 21.
[16] تحفة المحتاج، جـ. 2، صـ. 414.
[17] قاموس الاصطلاحات الفقهية لعمر نصوحي بلمان، جـ. 7، صـ. 120.
[18] بدائع الصنائع، جـ. 4، صـ. 82.
[19] 26.03.1333 (8.04.1916) فالقانون الموقت في توحيد المصكوكات، استانبول 1923، ج. 8، صـ. 894.
أضف تعليقا