السؤال:
هناك عمة ربت أولاد أخيها الأيتام من الأب، وأمهم تزوجت عندما كانوا صغارًا ولم تسأل عنهم في يوم، وربتهم عمتهم والآن الأولاد عندما أصبحوا كبارًا تركوها. هل لهذه العمة التي ربت أولاد أخيها عندما كانوا صغارًا حق عليهم أم لا؟
الجواب:
إن ما فعلته تلك العمة مع أولاد أخيها الأيتام لهو عمل عظيم لامتثالها وصية الله تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ البقرة (220)
وفي هذا العمل خير كثير يعود على فاعله في الدنيا والآخرة:
﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ النساء (127)
وعندما أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين لم يكن فقط بسبب الحمل والإرضاع والإنفاق، بل كان أيضا بسبب الرعاية والتربية:
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ الإسراء (24)
ولذلك فإن لهذه العمة حقا كبيرا على هؤلاء الأولاد كأنها أمهم، وينبغي عليهم أن يردوا لها المعروف بالإحسان إليها والقيام على رعايتها والإنفاق عليها إن كانت بحاجة كما ربتهم صغارًا امتثالًا لقوله جَلَّ في عُلاه:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ..﴾ النحل (90).
﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60]
وإذا ذكرنا حق تلك العمة على أولاد أخيها فلا يتسنى لنا أن ننسى تذكيرها من منطلق ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذاريات (55) بأن تبتغي في قيامها على هؤلاء الأيتام وجه الله تعالى حتى تكون من الأبرار الذين من أهم صفاتهم أنهم:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ الإنسان (8: 9)
وهؤلاء يبشرهم ربهم:
﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ الإنسان (11: 12).
وكذلك ألا تقسو في الحكم على أم هؤلاء الأيتام التي تزوجت بعد وفاة زوجها، حيث كان على العمة أن تعمل على تحسين صورة الأم أمام أولادها؛ لأنها لم تخالف شرع الله تعالى الذي أحل لها الزواج بعد فترة التربص:
﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ البقرة (234)
فأم الأولاد لم تقم بما يخالف الشرع بزواجها، وربما يكون انقطاعها عن أولادها بسبب بعد المسافة بينها وبينهم، وعلى كل حال يعذر المسلم أخاه في غيابه، لأنه لا يعلم الظروف التي يمر بها.