السؤال:
أردت أن أعرف رأيكم في شخص كتب كلامًا عن الكورونا يشبه في أسلوبه القرآن الكريم وسماه سورة الكورونا، فهل هذا يعتبر من الكفر، علما أنه لا يوجد في النص أي كلام مشين، كل المشكلة هو نقله الأسلوب القرآني حتى في الكتابة و التزويق، فما رأيكم في هذا؟ وإن كانت تستوجب المحاكمة فما هي العقوبة التي يمكن أن تسلطونها عليه؟
الجواب:
_ إن ما فعله الشخص الذي كتب عن الكورونا كلاما يشبه أسلوب القرآن الكريم مستخدمًا بعض عباراته ليس أمرًا جديدًا، بل إنه قد حدث وقت نزوله باختلاف المسميات عندما ظن بعض المشركين والمعاندين أنهم باستطاعتهم الإتيان بمثل القرآن قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعلا:
﴿وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا، إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ الأنفال (31)
أو زعموا أنه ليس كلام الله تعالى وأن الرسول قد افتراه من عنده وذلك بدليل قوله تعالى:
﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الطور (33).
ورغم وجود مثل تلك المحاولات في السابق والحاضر لكنها في الحقيقة دليل على عجز البشر الذين تحداهم القرآن أن يأتوا بمثله:
﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ الطور (34)
وقوله تعالى:
﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ يونس (38).
وقد حسم القرآن الجدل حول إمكانية أن يأتي الناس بمثله ولو اجتمعوا له:
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ الإسراء (88)
وذلك لأن القرآن الكريم لا يتوقف الأمر في إعجازه اللغوي وإنما القضية أعظم من ذلك بمراحل تتخطى حدود القدرة البشرية أن تأتي بمثل معانيه وعبره وعظاته وتعاليمه وحِكمه[1]. هذا الكتاب العظيم الذي قال عنه منزله:
﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ الكهف (109)
وكذلك قوله تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ لقمان (27)
_ وأما بالنسبة لما يفعله هؤلاء فهو _في الحقيقة_ لا يندرج تحت محاولة الإتيان بمثل القرآن، ونحن لا نعلم نيتهم الحقيقية من وراء هذا الفعل، لكنه قد يندرج تحت الاستخفاف بكتاب الله تعالى والخوض في آياته، وقد نبأنا العليم الخبير عنهم في قوله تعالى:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ التوبة (65)
فإن كان دافعهم الخوض واللعب فيلزمهم التوبة، فإن أصروا فإن الأمر جلل حيث حكموا على أنفسهم بالكفر واستحقوا العذاب:
﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ التوبة (66)
ولكن في الوقت نفسه لم يوجب الله تعالى على من فعل ذلك عقوبة ينفذها الحاكم، وذلك كالشرك بالله تعالى أو الارتداد عن الدين الذي ليس لها عقوبة شرعية موكلة للحاكم، وإنما على الله حسابهم في الدنيا والآخرة:
﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ البقرة (217)
وبالتالي فلا نستطيع أن نصدر أحكامًا أو نسلط عقوبة لم يأمر بها رب العالمين. ولا نغفل ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه الأشخاص المقصرين أو المذنبين.
_ أما عن موقف السامعين والمتلقين لهذا الاستهزاء والخوض فعليهم تجنب هؤلاء وعدم نشر وإذاعة ما يقولونه ولو على سبيل الرفض قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الأنعام (68)
وإن لم يعرض السامع عنهم فيصبح مثلهم عرضة للكفر والنفاق كما حذرنا رب العالمين:
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء (140)
وحتى لا يكون المستمع إليهم ممن يسألون ما سلككم في سقر؟ فيجيبون:
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾ المدّثر (45).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر فتوى (معجزة القرآن بلغته أم بمحتواه؟) https://www.hablullah.com/?p=8368