السؤال:
هل هناك زينة محرمة وزينة مباحة، مثلًا للرجال زينة خاصه لهم وللنساء كذلك مثل الذهب، وماذا عن الوشم؟ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (32) هل هذه الآية تشمل مواضيع أو موضوع معين لأن هناك من يقوم بتحريم بعض الزينة مثلًا كقصة شعر أو ملابس مثلا تكون ملونة للمحجبة حيث يضع المجتمع للباس المرأة ألوانا معينة؟
الجواب:
هذا السؤال يحتوي على عدة مسائل حول تعريف الزينة وحكمها وأثرها وإبدائها.
- فالزينة في حد ذاتها مصطلح واسع شامل، ولا يطلق فقط على الذهب والحلي والحرير كما هو مشهور، فقد قَالَ جَلَّ وعلا:
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ الكهف (7)
فجعل تعالى لكل وسائل السعادة والمتعة اسم الزينة، فقَالَ تَعَالَىٰ:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ الكهف (46)
فجعل تعالى الأولاد زينة لشعور الإنسان بالكثرة والقوة، وبالطبع فإن كل ما يُشترى بالمال ويكون سببًا في سعادة الإنسان ورفاهيته يعد من الزينة كالذهب والفضة واللباس والمركب وغير ذلك، قال تعالى:
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل (8)
فقد جعل تعالى من تلك الحيوانات ما يستخدمه الإنسان بغرض الزينة وتحقيق المتعة النفسية بجانب الراحة والتنقل. ويلحق بقوله تعالى ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ كل وسائل النقل الحديثة كالسيارات والطائرات التي منها ما يسبب الراحة وسهولة التنقل ومنها ما يسبب المتعة والسعادة.
وقد أطلق على يوم العيد (يوم الزينة) لما فيه من البهجة والمتعة كما في قوله تعالى:
﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ طه (59)
وكل ما يُجمِّل المكان فهو زينة، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ الصافات (6)
- وكل ما سبق وغيره من الزينة أحله رب العالمين للرجال والنساء على حد سواء انطلاقًا من قوله تعالى:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (32)
فقوله تعالى ﴿لِعِبَادِهِ﴾ و ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ولم يقل (للنساء) أو (للمؤمنات) والعباد الذين آمنوا يشمل الجميع ذكورًا وإناثًا، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ النحل (14) فإنه لم يخصصه للنساء دون الرجال أو العكس.
ومن هنا فلا يستطيع أحد أن يحرم شيئًا أحله تعالى لعباده امتثالًا لقوله سبحانه:
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ النحل (116)
وبالطبع فإن النبي الكريم لا يقول شئيا بخلاف القرآن ولا يمكن أن يحرم ما أحل الله تعالى الذي خاطبه قائلًا:
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَا، فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ الأنعام (150)
إذا فالزينة نفسها ليست حرامًا ولكنه تعالى قد وضع لها شروطًا ذكرها في كتابه ألا وهي:
- عدم الإسراف فيها امتثالًا لقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف (31)
فالنهي عن الإسراف يشمل الزينة كما يشمل الأكل والشرب.
- احتراز أن تكون الزينة من مواد خبيثة لقوله: (والطيبات من الرزق)
- أن لا تسبب إلحاق الضرر بالنفس أو بالغير امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِۛ وَأَحْسِنُواۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة (195).
وهنا نتحدث عن الأثر، فعلى سبيل المثال لا الحصر يستخدم بعض الناس مواد ضارة بهدف التجميل مما يتسبب في تدمير صحتهم كبعض الذكور الذين يلجؤون إلى تكبير عضلات أجسامهم بهدف إضفاء مظهر القوة واللياقة، ولا يتم ذلك عن طريق الرياضة المعتدلة وإنما باستخدام أدوية وأغذية معينة تؤدي إلى زيادة حجم العضلات دون النظر إلى الصحة ما يتسبب في عجز هؤلاء الشباب وربما موتهم، وكذلك بعض النساء اللاتي يلجأن إلى عمليات التجميل والحقن بمواد ضارة تؤدي إلى تشوهات على المدى البعيد وربما تؤدي بعض الحالات إلى الوفاة.
- كذلك ألا تتسبب الزينة في تغيير خلق الله تعالى للدرجة التي تتحول فيها صورة الإنسان إلى صورة أخرى فيكون قد اتبع خطوات الشيطان الذي أقسم:
﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ النساء (119)
والوشم تنطبق عليه المحاذير السابقة، نتيجة الضرر والتشويه الذي يسببه حرق الجلد أو تعرضه للنار، وكذلك من ناحية الأثر الذي يؤدي إلى تغيير خلق الله تعالى.
فالزينة هنا ليست هي المحرمة وإنما ما يترتب عليها من الإسراف فيها أو استخدامها في غير موضعها، ولنا العبرة في فعل بني إسرائيل حين استخدموا زينتهم كوسيلة للكفر:
﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ. فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ طه (87_88)
وكما أن الشيطان يوحي للبعض بتحريم زينة الله التي أخرج لعباده فكذلك يوحي للبعض الآخر أن هذه الزينة هي غايته في الحياة:
﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الحجر (39).
- وإذا تحدثنا عن إبداء هذه الزينة سواء أكانت متعلقة بالحلي والذهب أو قصات الشعر والملابس فالحديث فيه يتعلق بجانبين، جانب يتعلق بكتاب الله تعالى، وآخر يتعلق بالعرف والعادات.
فبالنسبة للملابس والألوان، فإن الله تعالى عندما أمر النساء بعدم إبداء الزينة لم يحدد لهن ثيابًا أو ألوانًا معينة، فالمتدبر لآيات الزينة الخاصة بالنساء يجدها لا تتحدث عن هذا الجانب وإنما تحدثت عن جسد المرأة الذي يُعد زينة في حد ذاته ينبغي ستره، فقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا…﴾ النّور (31)
فما (ظهر منها) هو ما تُعرف به ولا يُعيق حركتها ولا يُعرضها للأذى وهو وجهها بدليل قوله تعالى:
﴿ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الأحزاب (59)
أما قصات شعرها وصبغه بأي لون، فالمرأة حرة في أن تفعل في نفسها ما تريد وما يريحها سواء أكان لنفسها أو لزوجها ما دامت لا تظهر به على الأجانب، فإن كانت متبرجة وغير ملتزمة بالحجاب (اللباس الساتر لجميع البدن عدا الوجه والكفين) فالإثم يقع عليها لمخالفة أمر ربها في اللباس الشرعي وليس لأنها قصت شعرها أو صبغته.
- أما مسألة ارتداء الذهب والحرير وغيره من الحلي للرجال، فالله تعالى لم يحرمه عليهم كما ذكرنا، ولكن _في الوقت نفسه_ فإن هناك من الزينة ما يصلح للنساء ولا يصلح للرجال والعكس صحيح كوضع مساحيق التجميل والمبالغة في ارتداء الذهب والحلي، وهذا الأمر ينطبق كذلك على الملابس فهي حلال للرجل والمرأة على حد سواء ولكن لكل ما يناسبه ويناسب طبيعة جسده قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُواۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ النساء (32)
ولا نغفل كذلك أن المرأة هي التي تنشأ على حب الحلية:
﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ..﴾ الزخرف (18)
مما يجعل لهن خصوصية في بعض الحلي.
وكذلك لا نستطيع أن نغفل الجانب المتعلق بالعرف والعادات، فهناك بعض المجتمعات التي تعيب على الرجال ارتداء السلاسل والأساور وأقراط الأذن ومجتمعات أخرى لا تعيبه، والإنسان الذي أوتي من الحكمة يستطيع أن يتمتع بزينة الله تعالى التي أحلها له بما يناسبه ويتناسب مع قيم وعادات مجتمعه بغير إفراط ولا تفريط.
وختامًا: فإن الله تعالى قد خلق الزينة وأحلها لعباده جميعًا سواء المؤمنين به أو غيرهم ولكنه جعلها خالصة للمؤمنين يوم القيامة، شريطة ألا تكون تلك الزينة من حرام وألا تلهي عن العمل الصالح فلا ينساق الإنسان وراءها وينسى تعاليم ربه، وهو ما حذرنا منه سبحانه وتعالى في قوله:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ الحديد (20)
وقد ضرب لنا سبحانه وتعالى المثل بقارون الذي اغتر بزينته وجحد فضل ربه واستكبر:
﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ القصص (79)
فكان عاقبته:
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ القصص (81).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد