السؤال:
لماذا يُنسب الأولاد للأب وليس للأم؟ يتم الاستدلال بالآية الكريمة (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)، ولكن أليس معناها الأمر بعدم نسب الأشخاص لغير الوالدين الأصليين، حيث إن الخطاب في القرآن غالبا يأتي بصيغة المذكر ويكون المقصود منه الجنسين. فلماذا إذا هذا الأمر، مع أن الأم تتعب مع أولادها أكثر من الأب.
الجواب:
الإحسان إلى الوالدين واجب على الأبناء، ولأهميته ورد معطوفا على لزوم عبادة الله تعالى في الآية التالية:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]
ولا شك أن الولد ينسب إلى أبويه ولا يصح أن ينسب إلى غيرهما، لكن اشتهر بين الناس من لدن آدم عليه السلام أن يُنسب الولد إلى أبيه عند التعريف به كما قال تعالى:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ…﴾ [المائدة: 27]
وجريا على العادة فقد نسب الله تعالى مريم إلى أبيها، ولم ينسبها إلى أمها.
﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا…﴾ [التحريم: 12]
وهذا لا يمنع أن ينسب الولد إلى أمه عند عدم الأب، أو عند وجود سبب يقتضي ذلك، فقال سبحانه وتعالى عن عيسى عليه السلام:
﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ…﴾ [المائدة: 116]
وقد اشتهر عند المسلمين نسبة بعض الأشخاص إلى أمهاتهم، مثل: محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت أمه من بني حنيفة. وإسماعيل بن عُلَية، وهو فقيه معتبر، نُسب إلى أمه، وابن تيمية الفقيه المشهور، ولكن على سبيل الندرة، فالمشهور نسبته إلى أبيه، لكن لا مانع أن ينسب إلى أمه.
وأما قول الله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: 5]
فليس فيه المنع أن يُنسب الولد إلى أمه، بل المنع أن ينسب الولد إلى رجل غير أبيه بدلالة السياق الذي يتحدث عن منع التبني، وأول المخاطبين به كان نبينا الكريم الذي كان متبنيا لزيد الذي كان يُدعى بزيد بن محمد قبل نزول هذه الآية فصار يدعى زيد بن حارثة نسبة لأبيه.
والحكمة من تغليب نسبة الولد إلى أبيه أنه بواسطته يمتد نسبه إلى قومه، كما أن أباه هو القائم عليه والمكلف بنفقته وحمايته. كما أنه أظهر في المجتمع من الأم فينسب إليه.
والله تعالى أعلم