السؤال:
السلام عليكم.. كيف أقوي إيماني بالله سبحانه وتعالى؟
وكيف أتجنب المشتبهات؟
وكيف أتغلب على الخوف الذي يمنعني من فعل أي شيء؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله، نسأل الله لنا وللسائل الكريم قوة الإيمان واليقين وحسن الاتباع.
إن أسئلة السائل الكريم تدور حول محور واحد وإن كانت تبدو منفصلة، ألا وهو الخوف مما أسماه بالمشتبهات التي لا يعرف حكمها إن كانت حلالًا أم حرامًا والتي تمنعه من فعل أي شيء حيث أدى ذلك بالسائل إلى الشك في رحمته تعالى وجعلته يشعر بضعف إيمانه وهو ليس كذلك؛ لأنه لو كان ضعيف الإيمان لما انتابه الخوف من الوقوع في الحرام ومعصية ربه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي المشتبهات في الدين التي تسبب للمؤمن كل هذا الخوف؟! أليس كل شيء قد بينه الله تعالى في كتابه، كما نبأنا العليم الخبير:
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ النحل (89)
فلا يوجد في دين الله تعالى وكتابه ما يتشابه حكمه ويتأرجح ما بين الحرام والحلال حتى يجعل المؤمن في حيرة من أمره ويرتاب في فعل الشيء تخوفًا من الوقوع في الحرام مصداقًا لقوله تعالى:
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا، وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ، فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ الأنعام (114)
فبيَّن لنا سبحانه أن كتابه مفصل، وأن الذي يرتاب هو من يبتغي حكمًا غيره تعالى وغير كتابه الذي أنزله إلينا، وخاصة فيما يتعلق بالحرام والحلال والحدود، قال تعالى:
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ؛ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ الأنعام (151)
حتى الأمور التي قد يوجد بينها تشابه فقد حسم كتابه تعالى فيها الجدال، ولنأخذ على ذلك مثالًا بحكم الربا، حيث أنه بينه وبين البيع مشابهة، فقَالَ جَلَّ في عُلاه:
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ البقرة (275).
وما لم يذكر في الكتاب أنه حرام فلا ينبغي الخوف من فعله، وإن ادعى أحد حرمة شيء فليأتنا بآية، كما علمنا سبحانه وتعالى:
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَا، فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ الأنعام (150)
وتوعد جل وعلا من يفعل ذلك بالخسران:
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ الأنعام (140)
فما لم ينزل فيه قرآنٌ يُتلى بالتحريم فلا يجب على المؤمن البحث عن مسوغات لتحريمه، لقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ، عَفَا اللَّهُ عَنْهَا، وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ المائدة (101)
فالله سبحانه قد خلقنا بشرا ويعلم ضعفنا، ولذلك طمأن قلوبنا بالعفو والمغفرة ما دمنا قد اجتنبنا الكبائر والفواحش ولم نصر على الصغائر قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ، إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ النجم (32)
وحتى من فعل كبيرة أو فاحشة فقد فتح له أرحم الراحمين باب التوبة حاثا إياه على المسارعة فيها:
﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ آل عمران (135)
ولذلك فلا قنوط من رحمته تعالى الذي ينادي عباده بنداء اللطيف الودود:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر (53)
ولا ينبغي للمؤمن التساهل في الوقوع في الحرام بحجة أن له ربا غفورا رحيما، بل يدعو الله دائما أن يهديه الصراط المستقيم كما تعلمنا سورة الفاتحة التي نكررها كل يوم في صلواتنا:
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ الفاتحة (6-7)
فقد نبأنا سبحانه بعد ذلك أن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين كانوا بشرًا يخطئون لكنهم كانوا يجتنبون الكبائر والفواحش ويسارعون في التوبة، وقد قص لنا سبحانه وتعالى في كتابه كثيرًا من قصص أنبيائه بداية من أبينا آدم ﷺ :
﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ. ٰثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ طه (121- 122)
ومرورًا بجميع رسله ووصولًا إلى خاتم النبيين الذي يخاطبه ربه الرحيم:
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ الفتح (2).
ومن هنا فلا ينبغي للمؤمن المتبع لكتاب ربه أن يعتريه الخوف، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة (38)
والذي ينبغي أن يخاف هو من أشرك بربه وبكتابه كتبًا أخرى حرمت وأحلت بغير سلطان:
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الأنعام (81)
واتباع الكتاب هو الشرط الأول لتقوية الإيمان به جل جلاله؛ ذلك لأن قوة الإيمان بالله تعالى تكمن في التسليم له وللحق الذي أنزله في كتابه:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ النساء (125)
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ محمد (2).
كما أن لزوم الصالحين وصحبتهم واجتناب الفاسدين متبعي الهوى والغافلين عن ذكره تعالى وسيلة فاعلة لتقوية الإيمان، وهذا ما تدعو إليه الآية التالية:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الكهف (28)
فإن جعل المؤمن ذكر ربه نصب عينيه قولًا وعملًا في كل صغيرة وكبيرة في حياته وتعاملاته فسوف تسكن الطمأنينة والسكينة قلبه:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد (28)
وسوف يُنزع منه الخوف ويبدله بالأمن، كما وعد سبحانه وتعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ النّور (55).
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد