السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل الأفضل عدم زواج الأم (المتوفى عنها زوجها أو المطلقة) إذا كان هذا يؤثر تأثيرًا سلبيًا على نفسية أطفالها؟ ما هو رأيكم الشخصي؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
معذرة للسائلة الكريمة حيث إننا لا ندلي برأينا الشخصي في الإجابة على الأسئلة التي ترد إلى موقعنا، وحتى مقالات الرأي، وإنما نحتكم فيها لما أنزل الله تعالى في الكتاب امتثالًا لقوله تعالى:
﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ المائدة (49)
وانطلاقًا من ذلك فإن زواج المرأة سواء المتوفى عنها زوجها أو المطلقة شيء مرغب فيه من الناحية الشرعية، فقد حث الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه، حيث قال:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ النور (32)
بل إنه عز وجل شرع التعدد من أجل تيسير الزواج من الأرملة وجعله الأصل في تعدد الزوجات؛ وذلك رعاية لهن عن فقد الزوج وتعويضًا للأطفال عن يتمهم وحرمانهم من عطف الأبوة وربما النفقة، فقَالَ جَلَّ وعلا:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ..﴾ النساء (3)
ويقاس عليها المطلقة باستثناء أن أطفالها لهم أب ينفق عليهم ويرعاهم – وربما لا يفعل وخاصة في المجتمعات البعيدة عن منهج الله تعالى – وربما ينفق عليهم لكنه قد لا يقيم معهم بصفة مستمرة فيعوض غيابه عنهم زوج أمهم ويكمل ما نقص لديهم سواء احتياجات مادية أو معنوية.
ولو كان زواجهن سيؤثر سلبيًا على الأولاد لما دعا إليه رب العالمين وأحكم الحاكمين الذي يعلم من خلق والذي هو أدرى بما ينفعهم أو يضرهم، حيث أنه من الأفضل أن ينشأ هؤلاء الأولاد في كنف رجل يتحمل مسؤوليتهم مع أمهم، ولذلك حرم تعالى على الرجل الزواج من بنات زوجته واستخدم لفظ الحجور تعبيرًا عن احتضانه لهن ومعاملته كأب رحيم:
﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ..﴾ النساء (23)
فالذي يؤثر سلبيًا على الأولاد ليس زواج أمهم في حد ذاته وإنما الاختيار السيء للزوج هو السبب في ذلك، الذي ربما لا يكون أهلًا لتحمل مسؤولية أسرة كاملة، وربما يكون مستغلًا للمرأة، نظرًا لقلة صداقها في كثير من المجتمعات، أو يكون طامعًا في مالها أو مال أولادها، ولذلك جاء تحذير الله تعالى لهؤلاء الأزواج من كل ما سبق وحثهم على إعطاء النساء حقهن وأن يقوموا على رعاية مصالح اليتامى بالقسط، وذلك في قوله:
﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ النساء (127).
ولذلك يجب على هؤلاء النساء الأرامل والمطلقات أن يدققن في اختيار الزوج المناسب وأن يضعن مصلحة الأولاد نصب أعينهن عند الاتفاق على الزواج، فيجب أن تكون مصلحة الأولاد أولوية عند الاختيار لأنه لن يتزوجها هي فقط وإنما من أجل مشاركتها تربية أولادها ورعاية مصالحهم.
لكن واقع المسلمين المعاش لا يعكس دعوة القرآن للتعدد، فالأزواج ينسون السبب الرئيسي لتشريعه ويرفضون أن تحتضن زوجاتهم أولادهن فتقطع الأرحام ويفقد الأولاد أمهم كما فقدوا أباهم فيعيشوا بتشرد وضياع، وقد ساهمت قوانين الأسرة _التي يُزعم أنها تستند إلى الشريعة الإسلامية_ في تعزيز هذه التوجهات السلبية حيث حرمت الأم المتزوجة من حضانة أولادها بحجة أنها مشغولة بزوج جديد، فأصبح الخطأ المجتمعي له صبغة تشريعية دينية تحير العقلاء، وهذا ما دفع السائلة الكريمة لأن تسأل سؤالها لما تراه من معاناة الأولاد الذين تتزوج أمهاتهم بعد فقد الأب. وهذا يمثل جانبا صغيرا من الظلمات التي تعيشها الأمة بسبب بعدها عن تطبيق كتاب الله تعالى في حياتها.
*وللمزيد حول حق حضانة الأطفال ننصح بالاطلاع على مقالة د. جمال نجم (حقُّ المُطَلَّقة في حضانةِ أطفالِها) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=3371
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الباحثة: شيماء أبو زيد